مقال:أهمية الفنون في المجتمع الإنساني
إنّ تعبير الإنسان عن حاجته لرؤية العالم قد تتحقّق
من خلال الدّين أو من خلال الفنّ والعلم أيضا.فالفنّ كرؤية للعالم هو
تعبير جمالي عن أفكار وتصوّرات الشعوب، توصلت إليها بحكم بحثها عن إثبات
خلودها وبقائها.
فهذا نعني بالفنّ؟ وماهي وظيفة في المجتمع الإنساني؟
سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال تحديدنا
لمفهوم الفنّ بما هو تعبير إنساني يدلّ عن مرحلة من مراحل الوعي. وهو أداة
تبليغ وتواصل لأنّه يعتبر من مكملات الخطاب الكلامي من حيث البنية
والدّلالاتـ يمثل وسيطا بين أفراد المجتمع الواحد ويبين المجتمعات ككلّ.
ويعدّ الفنّ أيضا ميدانا شاسعا للتعبير عن الانفعالات
والأحاسيس والطاقات الكامنة، فكلّ عمل فنّي يتخذ موضوعا معيّنا ومن هنا
تنطلق مهمة الفنّان المتمثلة في قدرته على تحويل هواجسه إلى عمل يحمل في
طياته أبعاد دلالية متعدّدة ورؤى تعبيرية تترجم عنها. فالفنّان يمتلك
القدرة في بناء عالم مثالي خيالي يعبر فيه عن نفسه كيف ماشاء ويشبع فيه
رغباته الحسيّة كما أنه يمتلك آن القدرة على العودة إلى الواقع المعاش.
فميدان الفنّ إذن هو ميدان رحب يلجأ إليه الفنان ليعبّر عن انسحابه و
رفضه للواقع، لكنّه أيضا ميدان للكينونة والتجسّس والتواصل مع الآخر ومن
هنا يمكننا القول أنّ من أهم خاصيات الفنّان هي المراوحة بين الواقع
والخيال أي بين الحاضر المعاش والغائب المنشود.
يتمّ الإبداع الفني عن طريق تطويع واستعمال عناصر
أولية لمادة أو لموضوع قائم الذات، ويمثل الواقع في مناسبات عدّة من
الموضوع. يقوم العمل الفنّي على عدّة شروط لعلّ من أبرزها عدم اختزاله على
أنّه مجرّد إعادة بناء للواقع وإنتاج يصور أشكال خالية من المضمون فتوفّر
الشكل فقط لا يبيح الحديث عن فنّ في أتمّ معانيه » في ذات الحين وعلى مستوى
أعمق فالتجربة الفنية تساهم في نجاح العمل الفني باعتبارها تتجاوز حرامة
العقل والمنط، فالتجربة الفنيّة هي في نفس الوقت تجربة انفعالية. من جهة
أخرى يعتبر الإبداع بما هو سمة العمل الفنّي- مهارة وقدرة على رؤية الأشياء
على نحو مغاير لما هو مألوف ورتيب، ولذلك تقترن سمة الإبداع بحضور الذّات
والانفتاح لأنّ العمل الفنّي يخترق المحدودية ويتجاوز الحدود الذي يفرضها
الواقع.
فالتجربة الفنية إذن تمثل محاولة للكشف عما يتخطّى المعطيات الحسيّة المباشرة وينطلق في عالم من الأحياء باللامحدودية[1] .
مثلما يقوم العمل الفني على شروط تساعد منتجه على
تحقيق نجاحه وتمكنه من ارساء أفكاره في المجتمع، فهو مطالب بالخوض في
الواقع ومحاولة إحداث بعض التغييرات في الجوانب التي تستوجب إعادة النظر
فيها ومحاولة طرح ودراسة مواضيع جديدة وبديلة وذلك بحكم أنّ العمل الفني لا
يخضع لشروط تعيين ثابتة ولا لمعايير حياتية نهائية محنّطة. فالإبداع بساهم
بدور هام في تغيير هذه الوقائع ذلك أنّه يعد من بين المهارات والقدرات
التي تقدم الواقع برؤية أو بطريقة نحو مغايرة لما هو مألوف.
ويمكن القول أنّ الفنّ يضطلع بالإضافة إلى وظيفة التعبيرية على الوظيفة النقدية ذات البعد الإيديولوجي أو الفكري للفنّان نفسه.
إنّ تعرفي الفنّ بما هو » تعبير جمالي » يثير أشكالا
حول علاقة الفنّ بالتاريخ أي بالحضارة والإنسان، لأنّ الفنّ قد يكون شاهدا
حبا على حضور الإنسان في العلم وعن وعيه بضرورة التواصل مع الآخر، ولذلك
يمكن لنا تعريف الفن بأنه تقديم الواقع بتصوّر رؤية مختلفة. فالفنّ قبل كلّ
شيء ينبثق من دافع إنساني بهدف إلى إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية
والفكرية، وله وسيلة تتمثل في التعبير عن تلك الحاجات الإنسانية، ومن هنا
كان الفنّ وما يزال عنصرا مهما من العناصر الحضارية المادية والمعنوية التي
تعبٍّ عن دوافع ورغبات وحاجيات أفراد المجتمع.
فالفنّ حسب « فرويد »يمثل نتاجا ثقافيا لأنّ أساس
الثقافة الكتب: إن هذا الأخير يؤسس الثقافة والفنان على هذا النحو أقدر
الأشخاص على تحويل دوافعه إلى اللاشعور قصد التعبير عنها بالفنّ.فلا نستغرب
إذن أن يكون الفنان من بين الأقليّة التي تساهم في صنع الحضارة لأنه على
علاقة وثيقة بالمحيط الاجتماعي، فمن الواقع ينطلق بحثه وإلى الواقع يجه
أفكاره فهو من هذا المنطلق يلعب دور المختصّ في علم النفس الذي يكشف عن
الحالات المرضية من خلال المعاينة والتشخيص، ويقدم لهم الشفاء انطلاقات
من إبداعه في نتاجه الفني. » وفي الحقيقة فاتن الرموز والإشارات التي
يستعملها الفنان في أعماله الفنية بمثابة لغة التواصل والتبليغ وهي أدوات
ووسائل يستطيع الفنان بواسطتها نقل أفكاره وتوضيح دوافعه وميولاته التي
تتضمن في ذات الوقت القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية والإيديولوجية
التي يتميز بها عن غيره، ومن الجدير بالذكر أنّ المخزون الرمزي الكبير لدى
الفنان ينعكس في أعماليه الفنية بشكل متماسك ويعبر بقوة عن الأفكار
والمعاني والتصورات التي تربط الإنسان بمحيطه الطبيعي والاجتماعي[2].
إلى جانب ما تقدمه الفنون من حلول وأساليب لفهم
المجتمع والخوض في واقعة فهي أيضا تعمل على ترسيخ اديولوجيا وثقافة
المجتمع، لأنها تعمل بالأساس على تقوية المعتقدات الروحية وترسيخ القيم
والعادات والتقاليد والمثل الأخلاقية باعتبارها وسيلة من وسائل تنظيم
المجتمع شأنها فيذلك شأن القوانين الوضعية والعرفية.
في الختام نودّ القول بأنه لا يمكننا أن ننظر إلى
الفنون بصفة سطحية باعتبارها مثلا » كأداة ترفيه وهروب من الواقع » بل يجب
أن نمعن النظر في جوهرها بكونها وسيلة تعبيرية راقية للواقع المعاش بما
فيه من غموض واختلاف وصدام بين الحضارات.
حيث أنّ الفنون تعدُّ أيضا وسيلة تربوية تساهم في
تأطير وتثقيف أفراد المجتمع والنصوص بهذا الأخير نحو الأفضل بمختلف أشكالها
– تساهم في نشأة الفرد وبلورة شخصيته لما تعكسه من التحام بين العقائد
والقيم والأساطير التي تتوارثها الأجيال. كذلك وفي مرحلة ثانية تنقل
السلوك الحضاري التقليدي منه والمحدث بما فيه من أنماط متوارثة تساعد على
تجسيد واستمرارية وترسيخ القيم والمثل الأخلاقية والأعراف الاجتماعية. كما
يجدر التأكيد على دورها الفعّال في إطار التثاقف بين الحضارات والشعوب، حيث
تقوم مقام الوسيط الإعلامي والدفاعي في الوصل بين أفراد المجتمع الواحد
وبقية المجتمعات الأخرى إذن ومن أجل مقاربتنا هذه لمفهوم الفنّ ودوره في
المجتمع نودّ توجيه دعوة إلى كافة المختصين في هذا المجال، تكثيف الاهتمام
بالفنون لما تعكسه من فكر وعلم غنيات بالدلالات الاجتماعية والأخلاقية
والتربوية، لعل بذلك نسير بمجتمعاتنا نحو الأفضل والأرقى.
https://ibtissemwaer.wordpress.com/2013/05/12/%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق