الجمعة، 2 نوفمبر 2018

برنارد ماندفيل (فلسفة الرذائل)

برنارد ماندڤيل Bernard Mandeville أو Bernard de Mandeville (عاش 15 نوفمبر 1670 - 21 يناير 1733)، كان فيلسوف واقتصادي سياسي وهجاء هولندي. ولد في روتردام، هولندا، وعاش معظم حياته في إنگلترة واستخدم الإنگليزية لمعظم أعماله المنشورة. وقد اشتهر بعمله خرافة النحل The Fable of the Bees.


سيرته

برنارد ماندفيل كان طبيباً لندنيا من أصل فرنسي ومولد هولندي، نشر في 1705 كراسة في عشر صفحات تباع بست بنسات، مكتوبة بشعر مرح عنوانها "الخلية المتذمرة". وموضوعها مفارقة مؤداها أن رخاء الخلية راجع إلى رذائل أفرادها من النحل-إلى جشعها الأناني ونشوتها التناسلية ومشاكستها الجماعية. وبتطبيق هذا التناقض على الخلية الإنسانية، ذهب الطبيب الخبيث إلى أن ثروة الدولة وقوتها لا تعتمدان على فضائل مواطنيها بل على الرذائل التي يندد بها الأخلاقيون المتذمرون بحماقة. فلنتصور ما يحدث لو كفت فجأة كل ضروب حب التملك والغرور والخيانة والمشاغبة-لو لم يأكل الرجال والنساء من الطعام إلا بقدر ما يحتاجون إليه، ولم يلبسوا من الثياب إلا ما يقيم القر والحر، ولم يغشوا أو يؤذوا بعضهم بعضاً، ولم يتشاجروا، وأدوا ديونهم دائماً، واحتقروا أسباب الترف، وكانوا أوفياء لأزواجهم. لو حدث هذا لتوقف المجتمع كله فجأة، فترى المحامين يتضورون جوعاً، والقضاة يتركون بغير قضايا أو رشا، والأطباء يذوون لانعدام المرضى، وزراع الكروم يفلسون، والحانات تغلق أبوابها لانعدام شاربي الخمر، وملايين الصناع المهرة الذين ينتجون الغريب من الأطعمة أو الحلي أو الملابس أو البيوت يتعطلون؛ ولن يرغب أحد في أن يكون جندياً؛ وما يلبث المجتمع أن يقهر ويستعبد.
وعطل تأثير الخلية المتذمرة صياغتها في شعر هزلي محطم الوزن، وغاظ هذا الطبيب المغرور، الجشع، المشاغب، فأعاد إصدارها في 1714، وثالثة في 1723، باسم "خرافة النحل" موسعاً إياها المرة بعد المرة بالمقدمات، والملاحظات، والتعليقات التي بلغت بالصفحات العشر مجلدين. وأصغت إنجلترة وفرنسا هذه المرة، لأن هذه الملاحق كانت ن أقذع ما كتب من تحليلات للطبيعة البشرية.
واتخذ ماندفيل من إيرل شافتسبري الثالث هدفاً رئيسياً لكتابه بكل معنى الهدف. ذلك أن الأيرل كان قد فسر الطبيعة البشرية ببلاغة متفائلة، فافترض في الإنسان "إحساساً باطنياً بالصواب والخطأ... فطرياً فيناً كالمحبة الفطرية، وهو مبدأ أول في كياننا". ورد ماندفيل على بأنه هراء بديع؛ فالطبيعة البشرية قبل التربية والتدريب الخلقي لا تميز بين الفضيلة والرذيلة، إنما تحكم المصالح الذاتية دون غيرها. وقد وافق اللاهوتيون على أن الإنسان بطبيعته "شرير" (متمرد على القانون)، ولكنه بدلاً من أن يهدد الناس بالجحيم، هنأهم على الملائمة البارعة بين رذيلة الفرد وخير المجتمع. فالبغاء السري مثلاً يحمي العفة العامة، والنهم للإنتاج والخدمات يحفز الاختراع، ويدعم الصناعة والتجارة؛ والثروات الكبيرة تتيح البر بالناس والفن الضخم. وبينما بشر اللاهوتيون بالتقشف، دافع ماندفيل عن الترف، وحجته أن الرغبة في الكماليات (وهي أن شيء خلاف الضروريات المجردة للحياة) هي أصل الصناعة والحضارة؛ فلو أزلنا الترف كله عدنا همجاً. وبينما يُفترض في الأخلاقيين أن يدينوا الحرب قال ماندفيل أن الأمم عاشت بفضل قدرتها على شن الحرب، لأن معظم الدول وحوش ضارية.
ولم ير في الطبيعة أي فضيلة. فالخير والشر كلمتان تصدقان على الأفعال الاجتماعية أو المعادية لمصلحة المجتمع في الإنسان، أما الطبيعة نفسها فلا تأبه بكلماتنا أو عظاتنا، وهي تحدد الفضيلة بأنها أي صفة تعين على البقاء؛ وعالم الطبيعة في عباراتنا المتحيزة مسرح للجشع والشهوة والقسوة والقتل والتبديد الذي لا معنى له. ومع ذلك فمن ذلك الصراع الرهيب، كما يقول ماندفيل، طور الإنسان اللغة والنظام الاجتماعي والنواميس الأخلاقية أدوات للتماسك الاجتماعي وبقاء المجتمع. والثناء واللوم لا تبررهما الطبيعة، ولكنهما مبرران باعتبارهما وسائل نستعين بها-لأنها تروق غرور الإنسان وخوفه وكبرياءه،-على أن نشجع في غيرنا ألواناً من العلم مفيدة لنا أو للجماعة.
ومعظم الذين سمعوا بماندفيل رموه بالنزعة المادية الكلبية، ولكن [[ڤولتير اتفق معه على نفع الكماليات، وصفق فيزوقراطيو فرنسا القائلون بسياسة "عدم التدخل" لرأبه في أن عدم التدخل في طمع الإنسان كفيل بأن يجعل عجلات الصناعة تدور. وأغلب الظن أن الطبيب الكثير النزوات كان مسلماً بأن فارقته هذه، "الرذائل الخاصة هي فضائل عامة" كانت إلى حد كبير لعباً بألفاظ فضفاضة التعريف. إن "الرذائل" كحب الاقتناء، والعشق الجنسي، والمشاغبة، والكبرياء، كانت يوماً ما "فضائل" في الصراع البدائي للبقاء. ولم تصبح رذائل إلا حين مورست في المجتمع ممارسة تجاوزت الخير الاجتماعي؛ وقد أصبحت منافع عامة بفضل التحكم فيها بالتعليم، والرأي العام، والدين، والقانون.

المصدر ///
https://www.marefa.org/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D8%B1%D8%AF_%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%AF%DA%A4%D9%8A%D9%84



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق