هو
أبو القاسم اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس
الطالقاني، و"الطَالَقان" التي يُنسب إليها ــ بفتح الطاء واللام ــ كما
ذكر ابن خلكان، اسم لمدينتين، إحداهما بخراسان والأخرى من أعمال قزوين،
وكان أبوه يُكنى بأبي الحسن، ويلقب بالأمين.
مولده ونشأته
كانت
ولادة الصاحب سنة ست وعشرين وثلاثمائة، في ذي الحجة، وقد علم الصاحبَ
أبوه، ولقنه ما شاء من علم وأدب، وقرآن وكلام، ومنظوم ومنثور،، ليعده لما
يرجوه له من المنزلة بين العلماء والأدباء والوزراء، وكان الصاحب بن عباد
في بدء أمره من صغار الكتاب، يخدم أبا الفضل بن العميد، فترقت به الحال إلى
أن كتب لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه.
قال
ابن خلكان :" هو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه يصحب أبا الفضل بن
العميد، فقيل له " صاحب ابن العميد" ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى
الوزارة وبقي علما عليه، وقد أحسن الصاحب وأخلص في خدمة مؤيد الدولة، وحصل
له عنده بقِدم الخدمة قَدم، وأنس منه مؤيد الدولة كفاية وشهامة".
أخــــــلاقه
كان
الصاحب وديعا متواضعا مع أهل العلم والأدب، يحوطهم بلطفه، ويرعاهم ببره،
وكانت هذه الطبقة هي طبقته الأصلية، ومعدنه الجيد الذي يعتز بالانتساب
إليه، وكأنه كان حريصا على أن تكون صورته صورة الرجل المتجمل، لا صورة
الطالب المتوسل.
وكان
الصاحب يعرف متى يقوم ولمن يقوم، إنه يقوم للفقراء والزهاد الذين يعرف
صلتهم بالله، كذلك عرف عن الصاحب أنه سريع النكتة، حاضر الجواب، كثير
الفكاهة والدعابة، وكان ذلك أثرا من آثار ثقافته الواسعة، وعلمه المتبحر،
وتجاربه الكثيرة وتوقد ذهنه وحضور بديهته. وقد زينت السماحة مكارم
الصاحب، وجعلته مثالا فذا فيها، فقد كانت طبعا فيه، وجبلة ورثها عن أبويه
اللذين ربياه عليها.
وكان
من أخلاق الصاحب البارزة وفضائله المميزة، خلق الاعتدال، وبدا هذا الخلق
واضحا في كثير من نواحي حياته العامة وحياته الخاصة،على السواء، كما بدا في
مبادئه وعقيدته.
وفــــــــاؤه
ومن
أخلاق الصاحب الممتازة، وفضائله المذكورة، خلق الوفاء لكل من منحه ثقته
واطمأن إليه، ومن هذه الصور وفاؤه لأستاذه أبي الفضل بن العميد، من لزوم
طاعته وامتثال أمره، ومن هذه الصور أيضا وفاؤه لمؤيد الدولة، ولا يقتصر
وفاء الصاحب على أولياء نعمته من آل بويه، بل إنه ليتجاوزه إلى كل من أخلص
له الود وأصفى له الوفاء.
كذلك
لم يكن الصاحب وفيا للرجال الذين توجب عليه أفضالهم الوفاء لهم فحسب،
ولكنه كان وفيا أكثر من ذلك لعمله وواجبه، وهو في هذا المقام الخطير يدير
سياسة دولة، فقد كان يتخلى عنه أحيانا ما طبع عليه من الرفق والمسامحة، في
سبيل دعم سلطان الدولة، وتثبيت دعائمها.
الصاحب الأديب
كان
الصاحب أحد أعيان الأدباء، الذين ملكوا زمام هذا الفن وبرزوا فيه، وبه
عرفوا وذاع صيتهم بين الناس، وقد فاق في أدبه وفي تنوع فنونه أكثر أدباء
عصره، كتابة وشعرا، فكان كاتبا من كبار الكتاب، وشاعرا من فحول الشعراء،
وناقدا عارفا بأصول الأدب.
ومن
المزايا التي توافرت للصاحب ولم تتوافر لغيره، تلك القدرة الفائقة على
التأليف، المصنوع من غير روية ولا تحضير ولا تحبير، حتى أصبحت تلك الصنعة
طبعا فيه، وأصبح غالب كلامه المرتجل، يجري هذا المجرى من الكلام الأنيق
المسجوع.
الصاحب الشـاعر
أما
فن الشعر فإن الصاحب يسمو بالمأثور منه إلى درجة عالية، يطاول فيها
الفحول، والمتأمل فيما أثر للصاحب في فن الشعر، يجد أن السمة المميزة له
والغالبة عليه هي سمة الترف، والتي تبدو واضحة في الفنون والموضوعات التي
عالجها، كما يراها في الأخيلة والمعاني التي صورها، وفي الألفاظ التي
ألفها.
وشعر
الصاحب في جملته، يمثل في فنونه ومعانيه شعر الكبراء أو شعر الكبرياء،
الذي يسمى شعر الخاصة، ولكنها ليست خاصة الفن التي كثيرا ما تكون في متناول
الطبقات المتفاوتة في المجتمع، وإنما هي خاصة الحياة، وخاصة المنصب
والجاه.
أما
الوصف فقد كان الصاحب فيه من أعلام المبرزين، وأوصافه تزخر بالتصوير
الرائع، وتفيض بالتشبيهات البارعة، وأكثر أوصافه في مباهج الطبيعة، وفي
الأزهار والثمار.
الصاحب الناقــــد
كان
الصاحب واسع الاطلاع، كثير المحفوظ من الروائع الأدبية، وقد أعانته إدامة
النظر على صحة الفكرة، وجودة الرأي فيما يرى وفيما يسمع، فقد صارت حضرته ــ
كما يقول الثعالبي ــ مشرعا لروائع الكلام وبدائع الأفهام وثمار الخواطر،
ومجلسه مجمعا لصوب العقول وذوب العلوم ودرر القرائح، فبلغ من البلاغة ما
يعد في السحر، ويكاد يدخل في حد الإعجاز، لقد كان أجدر المتكلمين في الأدب،
وكانت آراؤه أجدر بالاعتبار والقبول.
آثـــاره وكتبـــه
حين
نقرأ آثار الصاحب التي حفظها التاريخ وسجلتها كتب طبقات الرجال، لتروعنا
تلك القوة الخارقة، والمعرفة الفائقة، التي وهبها هذا الرجل، إن كثرة
تصانيف الصاحب وتنوع مباحثها، واختلاف فنونها، لتدل بأنصع برهان على ما
آتاه الله إياه من المواهب منقطعة النظير، وتشهد بما منحه من وفرة العلم
وسعة العقل ونفاذ البصيرة، ومن أهم تلك الآثار:
1 ـ كتاب المحيط في اللغة.
2 ـ كتاب ديوان رسائله.
3 ـ كتاب "الكافي" رسائل.
4 ـ كتاب الوزراء.
5 ـ كتاب "عنوان المعارف" في التاريخ.
6 ـ كتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي.
7 ـ كتاب مختصر أسماء الله تعالى وصفاته.
8 ـ كتاب العروض الكافي.
9 ـ كتاب جوهرة الجمهرة.
10 ـ كتاب "نهج السبيل" في الأصول.
11 ـ كتاب أخبار أبي العيناء.
12 ـ كتاب نقض العروض.
13 ـ كتاب تاريخ الملك واختلاف الدول.
14 ـ كتاب الروزنامجة.
15 ـ كتاب الوقف والابتداء.
وفــــــــاته
قال
ابن الأثير في حوادث سنة 385هـ :" في هذه السنة مات الصاحب أبو القاسم
اسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة بالري، ثم نقل إلى أصبهان، ودفن في قبة
تعرف بـ " باب ذريه ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق