الأربعاء، 27 مايو 2020

تحرير مسألة الإجماع على حرمة المعازف او على اباحتها

مسالة المعازف من المختلف فيه وليس بها اجماع كما ادعى البعض فنحن لاننكر ان بعض العلماءنقلوا اجماع على التحريم ولكن كما هو معلوم فى علم الاصول ان نقل الخلاف يسقط دعوىالاجماع فالناقل للخلاف مقدم على ناقل الاجماع لانه مثبت والذين نقلوا الخلاف فى المسالة هماابن تيمية وابن حجر
قال ابن حجر -رحمه اللهفي فتح الباري: ((وأما الالات فسيأتى الكلام على اختلاف العلماء فيهاعند الكلام على حديث المعازف في كتاب الأشربة وقد حكى قوم الإجماع على تحريمها وحكىبعضهم عكسه)) انتهى كلام ابن حجر
اى ان هناك من حكى الاجماع على اباحتها فى مقابل من حكى الاجماع على تحريمها او عدموجود الاجماع وهذا نص واضح صريح من واحد من اهم علماء المسلمين فى اثبات الخلاف وهوكاف لحسم الامر واثبات ان المسالة خلافية
وكذلك ابن تيمية اثبت الخلاف فى المعازف
يقول ابن تيمية فى مجموع الفتاوى ((ومعلوم في كل عمل تنازع المسلمون فيه هل هو محرم أومباح ليس بقربة أن من جعله قربة فقد خالف الإجماع وإذا فعله متقربا به كان ذلك حرامابالإجماع كما لو تقرب بلعب النرد والشطرنج وبيع الدرهم بالدرهمين وإتيان النساء في الحشوشواستماع الغناء والمعازف ونحو ذلك مما للناس فيه قولان التحريم والإباحة لم يقل أحد إنها قربة))انتى كلام ابن تيمية
ومعلوم ان ناقل الخلاف مقدم على ناقل الاجماع لانه مثبت 
يقول ابن تيمية فى مجموع الفتاوى ((وإذا نقل عالم الإجماع ونقل آخر النزاع : إما نقلا سميقائله ; وإما نقلا بخلاف مطلقا ولم يسم قائله فليس لقائل أن يقول نقلا لخلاف لم يثبت ; فإنهمقابل بأن يقال ولا يثبت نقل الإجماع بل ناقل الإجماع ناف للخلاف وهذا مثبت له والمثبت مقدمعلى النافي . 
وإذا قيل : يجوز في ناقل النزاع أن يكون قد غلط فيما أثبته من الخلاف : إما لضعف الإسناد ; أولعدم الدلالة قيل له : ونافي النزاع غلطه أجوز ; فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه ; أو بلغتهوظن ضعف إسنادها وكانت صحيحة عند غيره ; أو ظن عدم الدلالة وكانت دالة فكل ما يجوز علىالمثبت من الغلط يجوز على النافي مع زيادة عدم العلم بالخلاف )) انتهى كلام ابن تيمية 

تنبيه بخصوص اثر عمر بن عبدالعزيز والاستدلال به على وجود اجماع 
إستدل البعض بأن عمر بن عبد العزيز رضي الله  101 هـ) قد نقل الإجماع على تحريم المعازفلأنه كتب لاحد ولاته قائلا:

("وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الاسلام ولقد هممت ان ابعث اليك من يجز جمتك جمةالسوء") إنتهى
كما جاء في سنن النسائي باب الفيء أخبرنا عمرو بن يحيى قال حدثنا محبوب يعني إبنموسى قال انبانا ابو اسحق وهوالفزاري عن الأوزاعي قال:كتب عمربن عبد العزيز...بهوقالوا أنالإمام الأوزاعي وهو من ائمة الإسلام الكبار كان معاصرا لعمر بن عبد العزيز ولم يعرف أنه أنكركلامه السابق بل حدث به مما يؤكد الإجماع.
لكن هذا الاثرلايصح للآتي:
توفي عمر بن عبد العزيز رحمه الله والأوزاعي لا يزال غلاما إبن ثلاث عشرة سنةونبه لذلكالشيخ الجديع فقال (أحسبه-أي الأثرمنقطعا بين الأوزاعي وعمر فإنه لم يذكر برواية عنه أوسماع منه وكأنه من أجل صغره يوم مات عمر فقد ولد –الأوزاعيسنة(88 هجري) ومات عمر سنة(101 هجري)إنتهى
-قال البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة (2798) عيسى بن يونس بن أبي إسحاق أبو عمروالسبيعي ...قال إبراهيم وسمعت عيسى يقول نصصت الأوزاعي عما قال عمر بن عبد العزيزوكتب عمر بن عبد العزيز فلم أجد عنده ما يقوم عليه) إنتهى
في (تهذيب التهذيب) أيضا تجد الحافظ ابن حجر العسقلاني  لم يعد الأوزاعي ممن أخذ عنعمر بن عبد العزيز لا في ترجمة الأوزاعي رقم (487) ولا في ترجمة عمر بن عبد العزيز رقم (791).
وإذا بحثت ودققت ستعلم أن الأوزاعي لم يبدأ في طلب العلم اصلا إلا بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز بتسع سنين أي عند بعثه لليمامة ولقائه يحيى بن كثير كما ورد في (الجرح والتعديل)لأبي حاتم (186)
  • فالأثر لايصح رغم انك قد تجده كثير التكرار على الالسنة مثله مثل ما أورده إبن ابي الدنيافي ذم الملاهي  بلا إسناد عن أمر عمر بن عبد العزيز مربي أولاده بمنعهم من الغناء.


والخلاصة : أن مسألة الموسيقى هي مسألة إختلف فيها العلماء ولا اجماع فيها ولم يكن ابن حزمهو الوحيد الذي قال بإباحتها وان كان اشهر من قال بذلك ولذا فترجيح الصواب يكون بإتباعالأدلة من الكتاب والسنة وهو ما سيلي نقاشه في باقي الاجزاء بحول الله التي سترجح بجلاء أنالموسيقى هي من المباحات ولادليل واحد على تحريمها وفي الجزء التالي نناقش (حديثالمعازف).

فموضوع الموسيقى (المعازف) من المواضيع التي إحتدم الجدال حولها قديما وحديثا رغم كونهامسألة أقل من أن تكون فرعا فقهيا معظم كتب الفقه تغفله ولا تكاد تذكره اللهم إلا كجزئية بسيطةفي باب البيع أو النكاح هذا إن ذكرت أصلا..ورغم ذلك فأصبحت تجد اليوم من يكاد يعقد الولاءوالبراء بناء على الموقف منها ويجعلها شرطا من شروط الإنتساب لأهل السنة والحديث بل ويزعمالإجماع على تحريمها
وتتضح دوافع الحماس لإثبات تحريم الموسيقى في ظل ما في غناء اليوم من عري وخلاعةوكلمات لاترضي ربنا ولذلك فتحرير موطن الخلاف هام جدا فلا يوجد مسلم يؤمن بالله واليومالآخر يقول بإباحة العري والخلاعة أو كلمات الفسق أو تضييع الواجبات والغفلة عن ذكر اللهوهجر كتابه فهذا لاخلاف على تحريمه .. ولكن الكلام عن الموسيقى المجرده أو الموسيقى التيتصاحب كلاما حسنا يخلو من كل ما سبق للترفيه أحيانا أو في خلفيات البرامج والأفلامالوثائقية..هل من أفتى بأن الموسيقى تكون حينئذ على أصل الإباحة ولادليل على تحريمها يكونقد اخطأ؟!
يقول تعالى
 (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) البقرة 29
ويقول سبحانه (يَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَـٰتِ ما أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدوا إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّٱلْمُعْتَدِينَ) المائدة87

ويقول سبحانه (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَإِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) النحل 116
فالأصل في الأشياء الإباحة وعدم ورود دليل على تحريم الشيء يقضي بأن يبقى الشيء علىأصله وحله وهذا ما تمسك به من قال بجواز الموسيقى فقال أنها تبقى على أصلها من الإباحة ولاتحرم إلا كما يحرم أي شيء مباح إذا إستخدم للحرام أو للدعوة للحرام او ادى للحراموقالوا بأنهلايوجد دليل صحيح صريح على التحريم والديانة لاتؤخذ بالظن.
ولكن رد من قال بالتحريم بوجود أدلة على التحريم من صحيح السنة والكتاب وأهمها علىالإطلاق حديث رواه البخاري في صحيحه يعتبر العمدة في هذا الباب بات يعرف بحديث المعازفوهو ما سيلي نقاشه بحول الله.

هذا البحث المختصر يناقش هذا الموضوع وله عدة أهداف:أولا: البحث عن الحق وبيانه,
 قال تعالى:
(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه) آل عمران 187
 وقال سبحانه:
(إن الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد مابينناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهمالله ويلعنهم اللاعنون) البقرة159
المصدر