عيد الفطر والشاعر القروي، رشيد سليم الخوري / عصام زكي عراف
منقول من عرب 48
عيد الفطر والشاعر القروي، رشيد سليم الخوري / عصام زكي عراف
01/10/2008 14:13
يذكرني عيد الفطر كلما أطل، بشاعر له مكانة خاصة عندي منذ عرفت شعره، بعد أن أسرني بعذوبة شعره وعروبته التي كانت تملك عليه عقله وشعوره. قل أن نجد شاعرا بلغ من حبه لعروبته مثل ما بلغه رشيد سليم الخوري، الذي اختار لنفسه لقب "الشاعر القروي" وذلك بعد أن حاول أحد السفهاء المغرورين أن ينتقص منه إثر قصيدة نشرها في إحدى الصحف في البرازيل، فقال معقبا: من هو شاعر جرن الكبة هذا؟ فقرر يومئذ أن يطلق على نفسه لقب "الشاعر القروي".
ولد رشيد سليم الخوري في قرية "البربارة اللبنابية" سنة 1887 ودرس في عدة مدارس في لبنان، منها الكلية السورية الإنجيلية التي أصبحت في ما بعد الجامعة الأمريكية. بعد تخرجه عمل في التدريس في لبنان هاجر إلى البرازيل سنة 1913 وعمل هناك في التجارة وأعمال أخرى إلى جانب انصرافه إلى الشعر. أصدر ديوان "الرشيديات" وديوان "القرويات" ثم جمع كافة أشعاره في "ديوان الشاعر القروي".
عاد الشاعر القروي إلى لبنان عام 1958 الذي كان عام الوحدة بين مصر وسوريا وقد أسعدته كثيرا تلك الوحدة التي رأى فيها نواة تحقِّقُ حلمه في وحدة عربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، تحرر فلسطين، وتعيد للعرب أمجادهم الغابرة.
دعته الجالية الإسلامية في "ساو پاولو" في البرازيل، إلى حفلة عيد الفطر وكانت المجاعة في ذلك الوقت تفتك بالناس في الشرق أثر الجراد الذي اجتاح البلاد وأتى على كل شيء أخضر (باستثناء أوراق شجر الزنزلخت كما سمعت من بعض الذين عاشوا تلك الأيام) فألقى في ذلك الحفل قصيدته الذائعة الصيت التي حفظتها، كما حفظت الكثير من شعره البليغ المؤثر الصادر من نفس تغلغل بين ثناياها حب بني قومه.
عشرة أبيات من هذه القصيدة، اختص بها شاعرنا القروي زعيم الحركة الوطنية الهندية، للتحرر من نير الاستعمار الإنچليزي، موهانداس كارامْشانْد غاندي
( Mohandas Karamchand Gandhi ) الملقب بالمَهاتما (الروح أو النفس العظيمة) غاندي،( 2.10.1869-2.1.1948 )
الذي كان يدعو إلى العصيان المدني، دون اللجوء إلى العنف، ومقاطعة البضائع البريطانية، لإكراه بريطانيا على إنهاء استعمارها للهند. لذلك رأيت من الواجب شرح بعض الأبيات التي ينوه فيها الشاعر بغاندي ونضاله.
كثيرا ما كان غاندي يعمد إلى الصوم عندما يدعو مواطنيه إلى الاحتجاج ومقاطعة البضائع البريطانية، مما كان يؤدي إلى شل الصناعة الإنجليزية التي كانت تعتمد على السوق الهندي الواسع لتسويق بضائعها (كانت الهند في ذلك الوقت تضم ما يعرف اليوم بالهند وباكستان وبنغلادش وسيريلانكا مجتمعة).
تفسير بعض الأبيات:
-2 كيف نحتفل بالعيد والجوع منتشر في وطننا والوطنيون يعنانون من ملاحقة وانتقام المستعمرين.
-5 الهندي الذي صام هو غاندي.
-6 اختار غاندي الصوم عمدا فاضطر عمال المصانع في بريطانيا للصوم مكرهين أي أنهم أصبحوا عاطلين عن
العمل لا يجدون قوت يومهم.
-7 "مانشِسْتَر"، هي المدينة البريطانية التي اشتهرت في ذلك الوقت بصناعات الغزل والنسيج.
-19 سبقه إلى هذا المعنى أبو العلاء المعري الذي قال:
إنَّ المَذاهبَ ألقَت بيننا إحَناً وأورثتنا أفانين العداوات
من الجدير بالذكر أن الشاعر القروي وقف يخطب في الناس يوم رجوعه إلى لبنان سنة 1958 فقال:
بنت العروبة جهَّزي كفني أنا عائدٌ لأموت في وطني
من جاد من خلف البحار له بالروح كيف يضن بالبدن
فقاطعه الجمهور: أنا عائد لأعيش في وطني.
كان لا ينفك يحض على التآخي بين المسلمين والمسيحيين في الوطن العربي، ومن جملة ما قاله في قصيدة "عيد البرية":
يا فاتح الأرض ميداناً لدولته صارت بلادُك ميداناً لكل قوي
يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة فبلّغوه سلام الشاعر القروي
ومن روائعه أيضا:
مَنْ يُنبئُ الملأ الذين أُحبُّهم فيكافئون الحب بالعدوان
إنِّي على دين العروبة واقفٌ قلبي على سُبُحاتها ولساني
إنجيلي الحبُّ المقيم ُ لأهلها والذود عن حُرُماتها فرقاني
أرضيتُ أحمدَ والمسيحَ بثورتي وحماستي، وتسامحي وحناني
يا مسلمون ويا نصارى دينكم دينُ العروبةِ واحدٌ لا اثنـانِ
بيروتكم كدمشقكم ودمشقكم كرياضكم ورياضكم كعُمانِ
ستجدِّدون المُلك من يمنٍ إلى مصرٍ إلى شامٍ إلى بغـدانِ
وكان شديد الإعجاب بسلطان باشا الأطرش وثورته على الفرنسيين سنة 1925 وقد كتب أكثر من قصيدة يمتدح القائد والثوار فيها، ومن تلك القصائد:
إن ضاع حقك لم يضع حقان لك في نصاب السيف حق ثان
إلى أن يقول:
خاطب وحوش أورُبَّةٍ بلسانهم ترويض ذي ناب من الإحسان
عيد الفطر
صِياماً إلى أن يُفْطِرَ السَّيفُ بِالدَّمِ وصَمتاً إلى أن يَصدَحَ الحقُّ يا فَمي
أَفِطرٌ وأحرارُ الحِمى في مجاعةٍ وعيدٌ وأبطالُ الجِهادِ بِمأتَمِ
بِلادُكَ قَدَّمْها على كُلِّ مِلَّةٍ ومن أجلِها افطِرْ ومن أجلِها صُم
فَما مَسَّ هذا الصَّوْمُ أكبادَ ظُلَّمٍ ولا هَزَّ هذا الفِطْرُ أَرواحَ نُوَّمِ
لَقد صامَ هِنْدِيٌّ فَجَوَّعَ دَوْلَةً فهَلْ ضارَ عِلْجاً صَوْمَ مِلْيون مُسْلِمِ
تَجَشَّمَ عَن أَوْطانِهِ صَوْمَ عامِدٍ فَجَشَّمَ أَوْطانَ العِدَى صَوْمَ مُرْغَمِ
وَخَلَّى بِلادَ الظّالِميَن بِلادَهُ تَضيقُ بِجَيشِ العاطلينَ العَرَمْرَمِ
وَألْقَى عَلى "مَنْشِسْتَرٍ" ظِلَّ رَهْبَةٍ يَضِجُّ بِأَشباحِ الشَّقاءِ المُخَيِّمِ
أَهابَ بِآلاتِ الحَديد فَعُطَّلَت مَصانِعُ كانت جَنَّةَ المُتَنَعِّمِ
وَشَلَّ دَواليبَ الرَّخاءِ بِصَرْخَةٍ أَدارَت دَواليبَ القَضاءِ المُحَتَّمِ
كَساها نسيجُ العنكبوتِ وكم كَسَت جُسوم البَرايا بِالقَشيبِ المُنَمْنَمِ
تُهَدِّمُها أَسرارُ نَفْسٍ عَجيبةٍ تَجولُ بِذاكَ الهَيْكَلِ المُتَهَدِّمِ
فَيا لَكَ مِن عانٍ لَدَيهِ تَصاغَرَت جَبابِرُ أبدانٍ وعَقْلٍ وَدِرْهَمِ
وَراحَت مُلوكُ المالِ تَشْكو بِبابِهِ مِنَ الفَقرِ يا للظّالم المُتَظلِّمِ
أكُرِّم هذا العيدَ تَكريمَ شاعرٍ يَتيهُ بآياتِ النَّبي المُعَظَّمِِ
ولكنَّني أَصبو إلى عيدِ أُمَّةٍ مُحَرَّرَةِ الأَعناقِ من رِقِّ أَعْجَمي
إلى عَلَمٍ من نَسْجِ عيسى وَأَحْمَدٍ و "آمنةٍ" في ظِلِّهِ أُخْتُ "مريمِ"
هَبونيَ عيداً يَجْعَلُ العُربَ أمَّة وَسيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ
فَقَد مَزَّقَت هذي المذاهبُ شَمْلَنا وَقَد حطَّمتنا بَينَ نابٍ ومِنْسَمِ
سَلامٌ على كفرٍ يُوحِّدُ بَيْنَنا وَأهلاً وسهلاً بَعدهُ بِجَهنَّمِ