الأربعاء، 28 فبراير 2018

مكانة المرأة العربية حين كانت ملكة على دومة الجندل - سنابات لؤي الشريف

الفضولي يكسب

العقل زينة لمين نقرأ؟

سر نجاحك بالقراءة

المرأة قبل الإسلام في الجزيرة العربية (الحقيقة كاملة كما هي بكل تجرد)



اختلفت مكانة المرأة حسب المستوى الاجتماعى الذى تنتمي إليه. وناقش بعض الكُتاب وضع المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ووجدوا أنهم أمام وضع مختلط. فوفقًا للعرف القبلي الذي كان بمثابة القانون القائم آنذاك، لم يكن للمرأة كقاعدة عامة أي وضع قانوني يُذكر، لقد بيع النساء عن طريق أولي أمورهن والذين كانوا بدورهم "كتجار إناث" يقبضون الثمن في المقابل، وكان هذا الزواج قائم على الإرادة المنفردة للزوج، ولم يكن للنساء الحق في الملكية أو الإرث.

ويذهب بعض الكُتاب، بأن المرأة كانت أكثر تحررًا قبل الإسلام عن ماكان عليه وضعها بعده، ويستشهدون على ذلك بالزواج الأول للنبي محمد ؛ والذي كان زواجًا عن طريق طلب خديجة بنت خويلدحيث أرسلت إحدى صديقاتها؛ وهي نفيسة أخت يعلى بن أمية إلى النبي محمد تعرض عليه الزواج من خديجة، وكانت خديجة سيدة في قومها وتاجرة ذات مال.

 وكذا يُعول هؤلاء الكُتاب على نقاط أخرى منها عبادة العرب للات وهي إحدى الأصنام التي عبدها العرب قبل الإسلام وكانت هي والصنمين مناة والعزى يُشكلن ثالوثًا أنثويًا عبده العرب وبالخصوص ممن سكن مكة.
(منحوتة للات وجدت في الطائف)


وتعتبر المؤرخة السعودية هاتون الفاسي أن حقوق المرأة العربية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، و تستعين بذلك بأدلة من الحضارة النبطية القديمة الموجودة في الجزيرة العربية، فقد وجدت أن المرأة العربية في ظل هذه الحضارة كانت تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، وأشارت الفاسي إلى أن المرأة فقدت الكثير من حقوقها في ظل القانون اليوناني والروماني قبل دخول الإسلام، وقد تم الإبقاء على هذه المعوقات اليونانية الرومانية في ظل الإسلام.

ويختلف وضع المرأة على نطاق واسع في جزيرة العرب قبل الإسلام من مكان لآخر نظرًا لإختلاف الأعراف والعادات الثقافية للقبائل التي كانت متواجدة آنذاك؛ حيث كانت قوانين المسيحية واليهودية مهيمنة للغاية بين الصابئة والحميريون في الجنوب المزدهر من المنطقة العربية. في أماكن أخرى مثل مكة المكرمة حيث مولد النبي محمد كان لمجموعة من القبائل الحق في المكان؛ وكان ذلك أيضًا ينطبق مابين ساكني الصحراء من البدو، ويختلف الوضع باختلاف العرف من قبيلة لأخرى، وبالتالي لم يكن هناك تعريف واحد لا للدور الذي اضطلعت به المرأة ولا للحقوق التي حصلت عليها قبل مجيء الإسلام.


 


في طبقة الأشراف والسادة والأغنياء، كانت المرأة محترمة، مصونة تتمتع بكل الحقوق، تُسل دونها السيوف، وتراق فداء لكرامتها الدماء وكانت لها ذمتها المالية المستقلة فأمتلكت الأموال، وشاركت في التجارات ولعل السيدة خديجة بنت خويلد كانت أعظم نموذج لذلك إذ كانت من ذوات المال، وكانت تشتغل بالتجارة، ولها قوافل تجارية تخرج سنويا إلى بلاد الشام، وكانت تشرف بنفسها علي تجارتها تجارتها، وتعهد بها لأهل الثقة والكفاءة والأمانة.

 

المرأة في الحروب

أما في الحروب فقد لعبت المرأه دورا كبيرا فيها وذلك بإثارة روح الحماسة في صفوف الرجال، وتشجيعهم علي بذل النفس والنفيس ولتحقيق النصر لقبائلهم، فعندما استحكم الصراع بين الغساسنة والمناذرة قامت حليمة بنت الحارث الغسانى تتفقد جنود أبيها بنفسها، وتدهن أيديهم بالطيب والعطر، وهى تبث فيهم روح الحماسة والإصرار.
ويتكرر هذا الدور في مشهد أخر عند محاربة قريش للمسلمين في يوم أُحد حيث خرجت نسوة قريش تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان يتجولن في الصفوف، ويضربن بالدفوف، يستنهضن الرجال، ويحرضوهم علي القتال ويثرن حفائظ اهل الضرب والطعان وينشدن قائلات :

ويها بنى عبد الدار
ويها حُماه الأدبار
ضربا بكل بتار
 

 وكانت النساء تصاحب الرجال إلى ساحة القتال لمداوة الجرحى، وحمل الماء إلى العطشى، ولم يقتصر دورهن عند هذا الحد فحسب، بل بارزن بالسيف، وامتطين صهوة الجياد، ورفعن لواء الحرب، وكانت لبعضهن صولات وجولات لا تقل عن فرسان قبائلهن.
كما كانت المرأة قادرة على أن تشعل نار الحرب والقتال بين القبائل، فإنها كانت قادرة أيضا على وقف القتال والدعوة للسلام، وحقن الدماء، وإنها الخلاف، وقد رأينا سبيعة بنت عبد شمس في يوم عكاظ بين كنانة وقيس وكانت الدائرة فيه علي قيس، فلما رأت قومها قد اسرف في القتل، جعلت من خبائها حرما آمنا لكل من استجار به من قيس، وأمضي ذلك حرب بن أمية فأجار من استجار بها، وقال لها "ياعمة من تمسك يا طناب خبائك أو دار حوله فهو آمن فنادت بذلك، فأستدارت قيس بخبائها حتى كثروا، فلم يبقي أحدا لا نجاة له إلا دار بخبائها فسمى هذا الموضع مدار قيس


كما كان أي اعتداء على المرأة سبباً في اندلاع الحرب بين القبائل، وإراقة الدماء، فعندما نادت ليلى ام الشاعر عمرو بن كلثوم "واقوماه" لم يملك ابنها إلا أن استل سيفه وذبح عمرو بن هند ملك الحيرة، وسبى خيله ونسائه عقابا له لتعمد امه إهانة ضيفتها ام الشاعر.

وتمادى العرب في ذلك فكان اعتداء كليب وائل زعيم ربيعة على ناقة البسوس سببا في حروب ومعارك دامية استمرت أربعين عاماً ، وكان تناول رجل رغيفاً من على رأس الخولاء، خبازه بنى سعد بن زيد مناة سببا في أن تشكوه إلى قومها فثأروا عليه، وقامت حروب ومعارك بينهما قتل فيها ما لا يقل عن ألف رجل.
 
اشتهرت بعض نساء العرب بالحكمة والعقل ، فكن مرجعا للرجال يأخذوا بمشورتهن ، ويسمعوا لأرائهن ، وقد رأينا كيف تمكنت سعدى أم أوس بن حارثة بين لأم طائى من اقناع إبنها بالعدول عن قتل الشاعر الذى هجاها وهجاه ، والعفو عنه والإحسان إليه وإكرامه ، حتى أقسم ألا يقول شعرا إلا مدحا فيهما ، فأنهت بحكمتها صراعا كاد أن ينشب ،وحقنت دماء كادت أن تراق .

المرأة والأدب

أما في الحياة الأدبية فقد برزت نساء شاعرات، أجدن في نظم الشعر ،وقد امتلكن من فصاحة اللفظ ،وجزالة المعنى ما جعلهن على قدم المساواة مع فحول الشعراء ، وكان من أشهرهن جليلة بنت مرة ، والخنساء التى بلغت من الفصاحة والبيان والشهرة ما أهلها لأن تقوم بالتحكيم بين كبار الشعراء المتنافسين ، كما برزت منهن طبيبات ومعالجات.

وإذا كانت المرأة تمتعت بكل هذا الاحترام ،فإن الأم بصفة خاصة حظت بمكانة مرموقة حيث حرص ابناؤها على برها وكسب ودها ،وجاء الإسلام ليؤكد هذه النزعة عندهم فقال عز وجل " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا " .

المرأة في المنزل

أما المرأة في الحياة المنزلية فقد حظت نساء الأشراف ، والاغنياء في بيوتهن بالراحة والدعة ، تخدمهن جوارى وإماء ، يقضين أوقات فراغهن في التزين ، وعقد المجالس مع نساء طبقتهن للحديث والمسامرة .

المرأة العامية أو البدوية

أما المرأة في الأوساط العامية أو البدوية ، فكانت أقل حظا من مثيلاتها من أبناء الطبقة الراقية ، إذ وقع على عاتقهن مسؤولية البيت ، ورعاية الأولاد ،وإعداد الطعام ،وسقى الماء ، وجلبه من الأبار والعيون ، وحلب الحيوانات ، وغزل الصوف ، وصناعة الملابس لها ولأولادها ،وصناعه الخيام والبسط،وجمع الحطب للوقود،وفضلا ذلك كانت بعض النساء تشارك زوجها في كسب العيش والسعي للرزق ،فمنهن من ا حترفت حرفه الرضاعة ،خاصة ارضاع أبناء الأغنياء في الحضر مقابل جعل يأخذونه من والد الصبي. ومنهن من عمل بالكهانة والعرافة والتنجيم ، وقد أوردت المصادر التاريخية جانبا من أخبارهن ، خاصة وأن معظم العرب كانوا يلجأون إليهم لمعرفة المجهول، أو قراءة الطالع أو للتعرف على إرادة ومشيئة الألهة بزعمهم ، لاسيما من أضافت إلى عملها السابق سدانة معبد أو خدمة صنم 
------------------------------------
 مقال آخر..وكلاهما من ويكيبيديا يا اخي   ------------------------------------
المرأة قبل الإسلام في الجزيرة العربية
.هناك معلومات قليلة جداً تتعلق بالنساء اللواتي عشن في عصر ما قبل الإسلاماء
وفقاً للتاريخ الإسلامي، خديجة هي أول زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقد كانت سيدة أعمال ناجحة وفي الحقيقة هي من طلبت من النبي محمد أن يتزوجها. ووفقا للمصادر الإسلامية، كانت زوجة قائد القافلة أبو سفيان (هند) لها نشاطات سياسية وشهدت معركة بدر ولها قصه خلاف في التشويه الجسدي لجثة أحد أعمام النبي محمد.
وفقاً للروايات الإسلامية فإن النساء اللواتي عشن في عصر الجاهلية في الجزيرة العربية لم يعترف بحقوقهن. فلم تتساوى حقوقهن بحقوق الرجال لذلك كانت تملى عليهن الأوامر تحت نظام أبوي صارم. كان ينظر للمرأة على أنها نكرة وكانت تذل باستمرار. كان للمرأة سيطرة بسيطة جداًعلى زواجها ولا يمكن لها أن ترث من الممتلكات. وفي الأسرة، كان الغرض منها ليس أكثر من إنجاب الأطفال على الرغم من أنه لم يكن لديهن أية حقوق. وكان وأد البنات أمر شائع. وتعتبر ولادة الأنثى عاراً على أسرتها وكان وأدهن أمر شائع.

الوضع القانوني وأسلوب التعامل مع النساء في عصر ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية


القبيلة
قد قُدمت عدة افتراضات حول القانون الجاهلي بسبب اختلافات في فهم كيفية سن القانون في المجتمع العربي. فالقبيلة هي جماعة وظيفية أساسية للمجتمع العربي وتتكون من أفراد لديهم روابط مشتركة. وكان كثير من هذه القبائل من أصلا لنظام أبوي وبالتالي وقد شكلت هذه القبائل من روابط ذكورية تنتقل من جيل لآخر. ونتيجة لهذا النظام الأبوي، فإنه ليس من المستغرب أن لا يكون للإناث أي حق في السلطة. وفي القبيلة، لا يحق للنساء في القبيلة اختيار أزواجهن. ومع ذلك، فإن القبيلة كانت توفر الحماية للمرأة إذا كان زوجها يسيء معاملتها

ارتبطت القبيلة بنفسها عن طريق التفاهم المتبادل لقوانين القبيلة الملفوظة. وتوضع هذه  القوانين من زعيم القبيلة الذي لم يوضع في هذه المكانة عن طريق الاختيار، وإنما وضع بسبب هيمنته. ويسمح الزعيم مناقشة القوانين الجديدة، و كما أنه يسمح للأفراد الذين في القبيلة باقتراح قوانين جديدة، لكنها لا تسن حتى يتم التوصل إلى اتفاق آراء المجموعة بأكملها.خلال العصر الجاهلي بين 3500 و3000 سنة قبل الميلاد يتغير الأشخاص الذين لديهم السلطة باستمرار في عدة مدن. حدث هذا التغير كثيراً بسبب حروب القبائل التي تحصل بين هذه القبائل. كما أن السلطة الحكومية  استمرت في الإلغاء والاستبدال، وأن القوانين تجاه النساء أصبحت فقط أكثر قسوة وقلة مع مرور الوقت. في بعض الأحيان كان للأزواج الحق في رهن زوجاتهم وأطفالهم، والإعتداء عليهن بالضرب بلا رحمة، أو سحب شعرهن، دون أن يتعرض الزوج للعقاب جراء هذه الأفعال. وقد ذكر أن الرئيس الوحيد للحقوق كان للمرأة في هذه الأوقات في شريعة حمورابي في 1752 قبل الميلاد "يمكن للمرأة أن تحصل على الطلاق ولكن بصعوبة بالغة. وإذا كانت المرأة تكره زوجها، فأنها تقول، "قد لا أكون لك"، ثم يتم التحقيق من قولها في مجلس المدينة ". وأن هذاالاقتباس يوضح أنه إذا لم تجد المحكمة أي خطا على الزوجة، فإنه سيسمح لها بالعودة إلى منزل أبيها.

الحجاب
خلال فترات ما قبل الإسلام صور القانون الآشوري بشكل واضح  اللوائح المكتوبة الذي كان يسمح بالحجاب. فكان الحجاب  للنساء اللاتي ينتمين إلى عائلة "الأسياد"وكذلك النساء اللاتي كن في السابق عاهرات ولكنهن تزوجن الآن. وكانت قوانين الحجاب صارمة بحيث أن عواقبه لا تطاق وقد سنت على هؤلاء النساء، والتي شملت بعض منها الضرب أو قطع آذانهن. في حين أن الكثير من الناس يعتقدون أن جميع النساء في الجزيرة العربية قبل الاسلام اخذن جزء من تقليد الحجاب، ولكن كان يتم منع العاهرات والعبيد من المشاركة في هذا التقليد. فلم يستخدم الحجاب فقط لتصنيف النساء وفقاً لمكانتهن، ولكن وصفت لهم أيضاً بناء على نشاطهم الجنسي، والحالة الاجتماعية.
وقد أسيء فهم القوانين على الحجاب نظرا لارتفاع النشاط من الحجاب حاليا داخل الدولة الإسلامية.

نساء الطبقة العليا
على الرغم من أن لنساء العام في الجزيرة العربية قبل الإسلام لم يتمتعن برفاهية من حيث وجود العديد من الحقوق، بعكس تلك النساء اللواتي من الطبقة العليا. فأنهن لا يتزوجن فقط من أجل المال، ولكن تصبح الكثير منهن " ناديتم" أو كاهنات في المعبد والذي سيؤدي بدوره إلى منحهن المزيد من الحقوق. وكانت النساء قادرات على التملك والورث عندما يتوفى شخص بالطبع من الأسرة الأبوية لتلك النساء. وبالإضافة إلى هذه الكماليات، كانت ناديتم قادرات على لعب دور فعال في الحياة الاقتصادية في مجتمعهم.

المعاملة
قبل الإسلام، شهدت النساء(في العالم)  حقوقاً محدودة، باستثناء تلك النساء ذوات الطبقة العليا. فإنه تمت معاملتهن كالعبيد وكن دائماً تحت رحمة الرجال. فلم تعتبر على أنها من البشر ولم يكن لديهاأية حقوق على الإطلاق. فلا تعتبر المرأة "تستحق الصلاة" ولم يكن لها أي دور في الجانب الديني للحياة قبل الإسلام. ويقال أنهم كانوا يعاملون المرأة تعامل لا يختلف عن "الماعز أو حيوان أليف أو كالخراف".  ولا يمكن للمرأة أن تتخذ القرارات على أساس معتقداتهم الخاصة، وكان هنالك القليل من لها رأي على زواجها. ولم تكن ملزمة على عقد الزواج أو حضانة الأطفال، وموافقتهن لم تطلب أبداً. ونادرا ما يسمح للمرأة تطليق أزواجهن، وكان لا يعتبر لوجهة نظرهن إما في الزواج أو الطلاق. فإذا حصلت على الطلاق، لم يسمح لها قانونا أن تنتمي إلى اسم عائلتها من جديد. ولم يتمنكن يتمكن من الامتلاك أو الوراثة ، حتى وأن كن يعانينمن الفقر أو ظروف معيشية قاسية. واعتبرت النساء أقل من منزلة البشر وواعتبرت أكثر على أنها نت من ممتلكات الرجال. ومع ذلك، فأنهن يمكن أن يرثن، ويمكن أن تنتقل من منزل إلى منزل تبعا لرغبات واحتياجات زوجها وعائلتها. وفي الأساس، كانت النساء عبيدا للرجال ولميكن لهن أي قرار بشأن أي شيء، سواء كان ذلك الشيء يؤثر على المرأة بشكل مباشر أم لا. وإذا توفي زوجها، وكان له ابنه ابن من زواج سابق فإن الابن يتزوجها اذا أرادها. وأن لاخيارللمرأة في هذه المسألة إلا إذا كانت قادرة على أن تدفع له من أجل حريتها، والتي كانوالذي يعد أمراً مستحيلاً في معظم الحالات.واحدة من أكثر الأعمال الغير عادية التي حدثت للنساء هي أن توفي أنه إذا توفي الزوج فإن ابنها يمكن أن يرث زوجته (أمه) لتكون زوجته الخاصة. وإذا كان ابن مرأة المتوفي (ولد متوفى) لا يريد زوجته (والدة الخاصة)،فإن المرأة تضطر إلى ترك منزلها وتعيش في كوخ لمدة سنة واحدة. ويبقى الكوخ مظلم للغاية وهواء ضعيف الانتشار. وبعد سنة واحدة، يسمح للمرأة أن تخرج من الكوخ، ويسمح للناس أن ينظروا إلى معالم الجمال في وجهها. 

وكان الناس في مكة المكرمة في 586 م  -اي قبل ميلاد النبي محمد (ص) - قد اعترف أن بالمرأة إنسانا. ورغم أن هذا يبدو أن التغيير في وضع المرأة في الجزيرة العربية، قد اعترف فيها كبشر

تقاليد الزواج
في الجزيرة العربية قبل الإسلام كانت هنالك مجموعات متنوعة من تقاليد الزواج المختلفة موجودة. والأنواع الأكثر شيوعاً ومعترف بها في الزواج في ذلك الوقت هي: الزواج بالاتفاق، والزواج عن طريق الأسر ،والزواج عن طريق الشراء، والزواج بالميراث وزواج المتعة

الزواج بالموافقة
يتكون الزواج بالموافقة من اتفاق بين رجل و زوجته المستقبلية. ويمكن أن يكون هذا الزواج داخل القبيلة أو بين عائلتين من قبائل مختلفة. في حالة كان رجل وامرأة من قبيلتين مختلفة، فإن المرأة تترك عائلتها بشكل دائم وتقيم عند زوجها. وقبيلة الزوج بعد ذلك تنسب أطفال الزوج لها، ما لم يتم ترتيب سابق الموافقة على أن ينتموا الأطفال إلى قبيلة أمهم. وفي حالات أخرى تمنع النساء من الزواج من خارج القبيلة، ولها أن تتزوج من فرد آخر أو شخص غريب الذي سيوافق أن يعيش في قبيلتها. وكان السبب في الزواج بين القبائل هو لضمان حماية أطفال الزوجين الذين أنجبوهم ولحيازتهم. وكانت النساء تحصل من زواج القبائل مزيدا من الحرية ويكون لها الحق في الرفض أو الطلاق من أزواجهن في أي وقت. وكان للنساء طقوس محدده فكن أذا أردن إبلاغ أزواجهن بالانفصال، فأنهن يفعلن مثل هذا: "فإذا كانوا يعيشون في خيمه داروا بها، بحيث يكون الباب الشرقي، باتجاه الغرب، فعندما يرى الرجل الباب، يعلم أنها انفصلت عنه ولم يدخل."

الزواج بالأسر
كان الزواج عن طريق الأسر، أو يسمى ب"البعل"،عادة شائعة للزواج قبل الإسلام. وغالباً ما تكون في أوقات الحرب، ويحدث زواج الأسر عندما تحتجز النساء من قبل رجال القبائل الأخرى ويضعن في سوق العبيد بمكة المكرمة. وتباع هذه المرأة من سوق العبيد للزواج أو للعبودية. في الزواج الأسر يشتري الرجال زوجاتهم وتكون لديهم السيطرة الكاملة عليها. وكانت المرأة في هذه الزواجات لا حرية لهن ويتعرضن لأوامر أزواجهن وتحمل أطفاله. وتصبح هذه المرأة من ممتلكات أزوجها وليس لها الحق في الطلاق أو للانفصال من زوجها، وبالتالي تكون قد فقدت تماماًأي حرية سابقة. وكان زوجها له السلطة المطلقة عليها ، بما في ذلك الحق الحالي في الطلاق. ويتم تصنيف الزوج في هذه الزواجات على أنه ربا لزوجاته أو مالكها وله الحق الكامل بزوجته وبتصرفاتها.

الزواج بالشراء
كان الزواج عن طريق الشراء أكثر عادة تقليدية للزواج. تتألف هذه الزواجات من دفع الرجل لأسرة المرأة "مهر"، ليتزوج ابنتهم. وعادة ما يتمثل المهر من حاجيات مثل الجمال والخيول. وتواجه النساء في هذا الزواج نفس الظلم الذي يطلق علىالنساء اللواتي يجبرن على الزواج بالأسر. وقد أدت هذه التقليد إلى الانخفاض في وأد الإناث بسبب الأرباح العائلية التييمكن أن تكون عندما  يبيعوا ابنتهما. وكانت النساء تخضع في هذه الزواجات لسيطرة أزواجهن، وكان لهن حقوق أوحرية لنفسهن قليلة جداً.

الزواج بالميراث
الزواج عن طريق الميراث، هو"عادة على نطاق واسع في جميع أنحاء الجزيرة العربية، بما في ذلك المدينة المنورة ومكة المكرمة" وتضمنت هذه العادة على زوجات الرجل المتوفي (عندما يتوفى رجل، يرث ابنه جميع زوجاته باستثناءامه) التي تنتقل إلى ابنه. في مثل هذه الحالة، يكون الأبن لديه العديد من الخيارات المختلفة. فيستطيع ان يبقيهم كزوجات له، ويتم ترتيب الزواج بالشراء للزوجات اللواتي يريد أن يبقيهن له ليعطين المهر، أو أنه يمكن ببساطة أن ينفصل عنهن. وفي جميع الحالات، كما هو الحال في غالبية عادات الزواج في ذلك الوقت، كانت للمرأة حقوق قليلة أو معدومة وكانت تجبر لإتباع الأوامر أو الإتباع وريثها.

بناء الاسرة والأمومة
أن البحث عن بناء الأسرة العربية قبل الإسلام والعديد من وجهات نظر كانت غامضة لأنه من الصعب معرفة البنية الدقيقة للأسرة خلال هذه الفترة الزمنية. وكان بناء الأسرة في العصر الجاهلي الذي قد يكون من قبيلة نموذجية أبوي وكانت علاقات الأسرة مع غيرها من علاقات الرجال. ومن الضروري في العائلات أن يكون لديهم الأولاد بدلا من الفتيات لأن كان ينظر للرجال الأفضلية على النساء. في داخل الأسرة، لم يكن للنساء أية حقوق أبوية على أبنائهن حتى ولو كان الوالد قد توفي، وكان النساء لا حق لهن في الورث. وكان أحد من أهم أحد أهم أدوار الأم داخل الأسرة أن هوتنجبإنجاب الأطفال، وذرية ذكرية ذكور. فبالرغم أن حقوق المرأة كانت ضئيلة داخل الأسرة فأنها تشارك في أدوار قليله في المجتمع. ومن بعض أنشطة النساء أنها تعد وجبات الطعام، وتحلب الحيوانات، وتغسل الملابس وتعد الزبدة، وتنسج المواد للخيام، وتغزل الصوف.  كان معدل وفيات الأطفال عالية جدافي الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكان من الشائع جداً للوالدين أن يفقدوا طفلهم في مرحلة الطفولة بسبب بعض الأمراض أو وعكه صحية.فإذا نجا الرضيع تقيم الجماعة مأدبة جماعية للاحتفال بحياة الرضيع حيث سيسمى الطفل، ويذبح له شاة لشرف ولادة الطفل. وكما أن الطفل ليس عليه عقوبات جنائية لأخطائه نفس البالغين.  في هذا العصر كان ينظر إليه بأهمية كبيرة بالنسبة للنساء لإنتاج ذرية ذكورية لأنه كان ينظر أن له الأفضلية وأيضاً لاعتباره العنصر الأساسي للقدرة على القتال في الظروف الصحراوية الصعبة.وكان تخطيط الأسرة مهم جدا واعتبار جوانب محدده  قبل أن يكون أي شيء، إلا أن تخطيط الأسرة لا ينطبق على الجميع.  فقد كان يهتم الناس بالظروف التي قد تؤثر على أسرهم أو المجتمع. وعملية التخطيط لبنية الأسرة هي المتبادلة بين الزوج والزوجة. وكان الجانب إلهام من جوانب هيكل الأسرة هو تحديد عدد الأطفال لدى الأم، وتباعد حالات الحمل كوسيلة للتأكد من صحة الأم والأطفال أنهم ليسوا في خطر، وكذلك لتعزيز رفاهة الأسرة . وكان الناس يؤكدون أيضا على أهمية إرضاع الطفل،  فهو حق أساسي للرضع لمدة عامين.

وأد البنات
الاتهامات وأد في العصر الجاهلي قد تنتقل عبر الأجيال من الشريعة العربية لهذه الأعمال، إلا أن العديد من هذه الشرائع لا أساس لها  وتعد تعسفية. هناك قدراً كبيراً من النقاش العلمي المتعلق بانتشار الوأد وبالتحديد أكثر وأد البنات في الجزيرة العربية قبل الإسلام. وفيالعصر الجاهلي، والمعروفة باسم عصر الجاهلية، وهذا يعني أنه عصر الهمجية، والظلام، والجهل من توجيه الله الذي يأتي مباشرة من القرآن . وعصر ماقبل الإسلام كان قبل ولادة محمد وظهور الإسلام.عدم وجود مصادر تاريخية موثوقة ومعلومات واقعية، وبجانب المصادر المتمسكة بالدين الإسلامي، وقصص،  يؤكد حقيقة حيال طريقة الحياة والثقافة قبل الإسلام يكاد يكون من المستحيل إثباته. ويعتمد بعض علماء على القرآن الكريم والحديث الشريف في الحصول على معلومات حول الجزيرة العربية قبل الإسلام. ولا انعدام وجود نظام متطور تماماً في الكتابة  الجزيرة العربية خلال هذه الفترة الزمنية،فكانت تقتصر المصادر على التقاليد والأساطير والأمثال وقبل كل شيء علىالقصائد، ومعظمها لم يتم تسجيلها كتابتاً إلا بعد مئتين أو أربع مئة سنة، خلال القرنين الثاني والثالث من الهجرة. ولم يكن هناك أي مصدر مسجلة عن الوأد في الشعر العربي. وعلى الرغم من أن عادة وأد موجودة على الأرجح إلى حد ما، قد اتخذت على أسطورة خرافية التي يساء فهمها على الأرجح نتيجة من صراعات وجهات النظر التاريخية والثقافية.في التاريخ، كانت هنالكأغراض ثقافية مختلفة من فعل الوأد في المجتمعات الأخرى ومع مرور الوقت كانت للحد من عدد السكان، وإزالة المتخلفين التي تشمل الأطفال الذين يعانون من تشوهات جسدية والرضع المرضى، وللقضاء على الولد الغير شرعي في المجتمع والتلاعب في نسبة الجنس، أو رده الفعل من فقدان الأم أثناء الولادة. وعلى وجه التحديد، وجد في القرآن يذكر على وجود الوأد في المجتمع العربي خلال الجاهلية. ويشارإلىأن الوأد في القرآن الكريم باسم "قتل الأولاد" والذي يعني قتل الأطفال من الذكور والإناث إلا أنه يتضمن إجراءات أوسع نطاقا مثل العزل، ويدعى وأد خفي، والإجهاض وهو قتل الأطفال حديثي الولادة حيث يدفن الأطفال وهم على قيد الحياة لذلك كان عدم سفك الدماء يعتبر إنسانية، وبالتالي هو ليس من القتل. ويراد أنه وصف حفر حفرة للأم التي ستلد، فعندما تلد طفلة  لايرغب بها، على الرغم من أن في بعض الأحيان قد يكون أيضا ذكر، والأطفال حديثي الولادة يدفنون مباشرة في الحفرة). وقد ذكرت وسائل أخرى لارتكاب قتل الأطفال في المجموعات الفقهية، وكذلك في الأحاديث التي تشمل إلقاء الرضع والخروج  للمنحدرات وإغراقهم في النبيذ وتركهم في الغابة للحيوانات البرية.وفقاً لتفسيرات القرآن، اعتبر الوأد وسيلة للوقاية من الفقر وأنه الحل لتولي مسؤولية طفلة. وتشير بعض المصادر إلى أن الذكور كانوا مفضلون  في المجتمعات القبلية الوثنية، وكانت الإناث عبئا اقتصاديا خصوصا خلال أوقات المجاعة لأنها كانت خيبة أمل وأقل نفعا. وكان الأب يشعر بالعار والخوف من أننكون ابنتهمحتجزة من القبيلة المعارضة لأنها تجلب العارللأسرة.

الخاتمة
كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام مجتمع أبوي بشكل واضح حيث كان الغرض الوحيد من النساء هو خدمة الرجل. وفي الواقع، كانت أهمية إنجاب ذرية ذكور لقدرتهم على المحاربة . هناك العديد من الافتراضات عن القوانين والأعراف قبل الإسلام، حول هيكل الأسرة وحول القضايا المتعلقة بوأد الرضيع. ومن المهم أن ندرك أن الكثير من النقاشات العلمية حول حال المرأة قبل الإسلام في عصر الجاهلية، حيث كان هناك انعدام وجود مصادر تاريخية موثوقة ومعلومات واقعية.

الأربعاء، 21 فبراير 2018

رحلة المتنبي.. من مصر إلى العراق - احمد رمزي بيك


تعد رحلة أبي الطيب المتنبي من مصر إلى الكوفة من أروع الرحلات في القرن الرابع الهجري نظرا لما تضمنته من أسماء البلاد والمواقع. وقد كان أبو الطيب حريصا في شعره على أن يسجل الكثير مما رآه في هذه الرحلة، فقرن الأسماء بخياله الشعري، ووصل إلى درجة رائعة في القصيدة التي وضعها حينما دخل الكوفة والتي جاء فيها:
فلما أنخنا ركزنا الرماح ... فوق مكارمنا والعلى
وبتنا نقبل أسيافنا ... ونمسحها من دماء العدى
لتعلم مصر ومن بالعراق ... ومن بالعواصم أني الفتى
وهي أبيات قرأت ترجمتها بالفرنسية شعرا فوجدتها لم تفقد من قوة المتنبي شيئا، بل ظهرت شاعريته بلسان الفرنسيين.
ولقد خرج أبو الطيب ليلة عيد النحر بعد أن تظاهر بالاستعداد للتضحية وكان قد اختار لنفسه أن يعلن عن عزمه بقصيدة مدح لزعيم من زعماء قيس النازلة في تلك الأيام بجوار بلبيس، وبالاطلاع على ديوانه نقرأ هذه القصيدة ونعلم شيئين:
الأول: كيف انتشرت قيس في إقليم الحوف الشرقي وكيف كانت لها السيادة في إقليم الشرقية.
والمتتبع لتاريخ عروبة مصر يجد أن قبائل لخم وجذام وعاملة وذبيان لها منازل في الأراضي المصرية. ويرى كيف جاء بنو جزى وهم بطن من جزام، وبنو راشدة وهم بطن من لخم، وكيف انحدروا إلى أماكن عرفت بهم بين العريش ومصر، وكيف نزل من نزل منهم بالجزائر من أرض الحوف وهي الرمال البيضاء التي لم تكن تغمرها مياه الفيضان، وكيف هبط قوم منهم بالمناطق بين صان الحجر والزنكلوم وهي التي يطلق عليها اليوم (الزنكلون) فهذه المناطق أصلية في عروبتها، ثابتة في أرومتها؛ فإذا ذكر أبو الطيب قيس عيلان في بلبيس فهو يقصد بمديحه أن يلفت أنظار كافور إلى أن طريقه سيكون إلى الشمال مارا بمنازل عرب الحوف، فيأخذ كافور عليه الطرق والمسالك، ويقيم عليه الحرس ينقلون من أخباره.
ولكن أبا الطيب كان قد اختار طريقا آخر؛ فبدلا من أن يرحل إلى الدلتا نجد أنه قد أخفى السلاح وروايا الماء في الرمال، وركب أسرع الهجن البيجاوية، وهبط من الفسطاط جنوبا إلى خليج السويس ثم اتجه من هناك إلى الجنوب مبتعدا عن طريق الحاج، فوجد أمامه واديا يسميه المعاصرون (وادي سدر) واسمه الصحيح (وادي الصدر) فإذا قطعه اتخذ سبيله إلى قلعة (نخل) القائمة للآن في شبه جزيرة سيناء، قطع هذا على ظهور الهجن في مرحلة واحدة لا تتعدى يومين.
فبينما كافور يستعد للاحتفال بعيد الأضحى، إذا به يفاجأ بهرب المتنبي، فيقيم الدنيا ويقعدها ويسأل الدلاة وقاصي الأثر، فلا جواب لديهم.


عن الهجن البيجاوية
وكان كافور يحكم مصر ويحكم الجزء الجنوبي من بلاد الشام ويسيطر على طرق المواصلات في سيناء، وله الحراس في كل مكان والعيون تنقل إليه أخبار الناس، فكيف فرّ أبو الطيب من قبضته؟ إن هذه الرحلة جديرة بالبحث وقد حاولت منذ سنتين أن أعرف مكان (نجع الطير) وهو نصف المرحلة الأولى من رحلته. ورجعت إلى كافة المراجع التي بين أيدينا فلم أوفق، وتتبعت هجرة بني إسرائيل من مصر لعلي أجد فيها ما يقنعني بتحقيق بعض الأسماء الواردة بين مصر وبلدة نخل في وسط سيناء، ومع صبري وتحملي الطويل لم يسعفني كل ذلك لنتيجة حاسمة ترضي رغبتي.
ويصف أبو الطيب هذه الفترة من حياته بقوله عن الهجن البيجاوية:
ضربت بها التيه ضرب القمار ... إما لهذا وإما لذا
فمرت بنخل وفي ركبها ... عن العالمين وعنه غنى
ولهذه القصيدة - كما قلت - رنين موسيقي واعتداد بالنفس وسرور بالتغلب على مصاعب الأرض ومتاعب الطبيعة لا يمكن أن ينسى
أرددها ثم أنظر توارد الخواطر بين أبي الطيب ويوليوس قيصر في الشطر الأول: فهو يشبه أقدامه في قطع الفيافي في هذه السرعة في قوله:
ضربت بها التيه ضرب القمار: والتيه هو أرض سيناء، والقمار هو مجازفة أمام الحياة الحرة وأمام الوقوع بين براثن كافور ومعناه الموت وضياع الأماني.
ويذكرني هذا المعنى بما أورده يوليوس قيصر في كتابه عن حروب روما في بلاد الغاليين، حينما اشتبك في قتال معهم إذ قال إنه ألقى بآماله بين يدي الأقدار كما يلقي المقامر بالزهر بين يديه، فذهب قوله في اللاتينية مذهب الأمثال. فهل أطلع أبو الطيب على هذا؟ أو نقل إليه حديث قيصر؟ أو هو مجرد توارد خواطر
ومن المدهش أن قيام إسرائيل بين مصر والبلاد العربية قد أثار طائفة من المشاكل: أولها - كيف الوصول إلى فلسطين وأراضي الشام والحجاز؟
ولقد رأينا طول الحروب الصليبية بعض هذه المشاكل، وبعد المتنبي بقرنين من الزمن وثلاث وثلاثين سنة رأى صلاح الدين نفسه في الوقت الذي وقفه المتنبي.. كيف يصل إلى أرض الشام والصليبيون يقطعون الطريق ويحولون دون وصوله؟ لقد كان أبو الطيب يخشى كافورا وعيونه وحراسه، وكان صلاح الدين يخشى الإفرنج ومعاقلهم وحصونهم.
والغريب أن صلاح الدين اختار أربعمائة من أشجع فرسان الأسدية من التركمان والأكراد وخيم في شمال القاهرة في بركة الحاج حيث تقوم الآن بلدة المرج.. واتجه إلى بلبيس، كما كتب أبو الطيب إلى زعيم بلبيس، فلفت الأنظار إلى حركته في الشمال، ثم في ليلة واحدة قطع المرحلة من بلبيس إلى عجرود ونزل جنوبا بعيدا عن طريق الحاج واخترق وادي الصدر الذي أشرت إليه وعرف كيف يسلك (إلى نخل) ولم يكن صلاح الدين فارا فرار المتنبي.. ولذلك تنبه للمواقع فأنشأ على الرابية التي تطل على وادي سدر (الصدر) قلعة لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم، وربط الطرق والمسالك بسلسلة من المعاقل اتقاء هجمات الإفرنج وتسللهم إلى هذه المناطق الحساسة من البلاد العربية.
ألا ترى أن رحلة أبى الطيب لم تكن من الأمور التي تسير على غير هدى، بل كانت موضع درس وعناية، فلا تندهش إذن حينما تقرأ في خزانة الأدب للبغدادي صفحة 145 جزء ثان عن المتنبي لما كان في ضيافة عضد الدولة (وكان أبو جعفر وزير بهاء الدولة مأمورا بالاختلاف إلى المتنبي وحفظ المنازل والمناهل من مصر إلى الكوفة وتعرفها منه فقال: كنت حاضره وكان ابنه يلتمس أجرة الغسال فأخذ المتنبي إليه النظر بتحديق فقال: ما للصعلوك والغسال؟ يحتاج الصعلوك إلى أن يعمل بيده ثلاثة أشياء: يطبخ قدرة وينعل فرسه ويغسل ثيابه، ثم ملأ يده قطيعات بلغت درهمين أو ثلاثة)
ويحدثنا الديوان بأن أبا جعفر أخذ شهرا من الزمن يحادث المتنبي في الطرق والمسالك ليأخذ عنه كيف خرج من الفسطاط وكيف وصل الكوفة في ربيع الأول سنة 531


البادية ومقت الطغيان
وبينما أقلب كتاباً عن المتنبي بالفرنسية علمت أن مستشرقاً ألمانياً كرس جزءاً من حياته لدراسة رحلة المتنبي، وأنا الذي اقتطعت القليل من وقتي لكي أتعرف على بعض هذه الرحلة أجد غيري سبقني إليها فلم أقنط وقلت: قبل اطلاعي على ما كتب فلأخرجها كما تشاء نفسي:
وأمست تخيرنا بالنقاب ... وادي المياه ووادي القرى
وكنت إذا يممت أرضا بعيدة ... سريت فكنت السر والليل كاتمه
شعوران قد تملكا قلب أبي الطيب في رحلته، وأعترف بأني أشاركه فيهما: شغفه بالبادية والتغني بمحاسنها ولياليها، ومقته للظلم والطغيان، فهو لا يذكر أيامه بمصر إلا مقرونة بالألم والحسرة، ولا يمر بعقبة أو يخرج من أمر مدلهم، إلا عد ذلك نصرا على كافور وظلمه وطغيانه، ولا يترك مناسبة دون التغني بالبادية.
إنك لا تشعر بشعور أبي الطيب إلا إذا عشت بالبادية، ورأيت سماء الصحراء المقمرة أو لياليها التي تسطع فيها النجوم. إنني أذكر ليلة مقمرة في وسط الصحراء كدت أقرأ فيها على ضوء القمر صفحة من كتاب. ولقد تركت هذه الرحلة برغم مصاعبها أكبر الأثر في نفس أبي الطيب، حتى أنه بعد مضي أكثر من سنتين تقرأ له في قصيدة وضعها سنة 352 هـ أبياتا تشعرنا بحنينه الذي ملأ قلبه وقت السفر إذا قال يذكر مسيره من مصر ويرثي أبا شجاع فاتكا:
ختام نحن نساري النجم في الظلم ... وما سراه على ساق ولا قدم
ولا يحس بأجفان نحس بها ... فقد الرقاد غريب بات لن ينم
وهو مع ما أوتيه من نصر لتغلبه على الصعاب، يذكر حر الشمس في وسط القيظ، طول أيام السفر في الفيافي فيقول:
تسود الشمس منا بيض أوجهنا ... ولا تسود بيض العذر واللمم
ثم تجده لا ينسى مدح المطايا التي لولاها لما خرج من مصر بعد ما لقيه من الظلم والعنت فيها:
لا أبغض العيش لكني وقيت بها ... قلبي من الحزن أو جسمي من السقم
فكأنه يسير في تفكيره ليستعيد ما مر به من ألمه وأحزانه وهو الذي سبق له أن قال وهو بالفسطاط:
أقمت بأرض مصر فلا ورائي ... تخ قليل عائدي سقم فؤادي ... كثير حاسدي صعب مرامي
عليل الجسم ممتنع القيام ... شديد السكر من غير المدام
فلا غرابة إذن أن مطلع جبال حسمي قد غمر قلبه، وأن رؤيته لتلك الشعاب قد نفخت فيه روحا جديدة، بعد ما لقي من نصب ومتاعب في رحلته؛ وبعدما تحمل في مصر من ألم نفساني ومرض أضنى جسمه.


لتعلم مصر ومن بالعراق
إن مناظر الجزيرة وجبال حسنى قد ملأت نفسه حبورا وجعلت منه إنسانا آخر. . نرى ذلك في شعره ونحس معه أحاسيس الذي خرج من سجن وانطلق للفضاء. . ولا ننس أن بين حسمي ووادي القرى ليلتان، وبين الأخير والمدينة ست ليال.
ولا يمر هذا الشعور دون أن يعتريه انفعال آخر هو إحساسه بالنصر والغلبة على كافور كيده، وأنه رفض أن يقبل الذل على يديه، فها هو قد ترك دنيا الظلم والظلام، وذلك الوسط الذي قال عنه (كأن الحر بينهم يتيم) وقال فيه عن كافور (غراب حوله رخم وبوم) وهناك انطلق شاعريته في الكوفة فقال في مواجهة الأحداث وليشهد الدنيا على انتصاره.
لتعلم مصر ومن بالعراق ... ومن بالعواصم أني الفتى
وأني وفيت وأني أبيت ... وأني عتي على من عتا
وما كل من قال قولا وفى ... وما كل من سيم خسفا أبى
وهو شعر يبلغ فيه النهاية ويترنم به من كان مثلي قد عانى الشدة وألم الاضطهاد ووقف أمام الظلم. رحم الله أبا الطيب وطيب ثراه! إني أعد هذه القصيدة قطعة موسيقية من أروع ما أنشد هذا الشاعر العظيم. ولقد كنت ضحية للظلم يوما، وتنكر لي أقرب الناس إلي، وشعرت بشعور أبي الطيب، وأقمت مدة وأنا أترنم بهذه الأبيات، فأشعر بنفسي وقد قويت، وأستمد منها شجاعة وصبرا.. وهكذا يحيا شعر أبي الطيب في نفوس من يفقه أمر المتنبي ومن عاش عيشته ومن انكوى بنوع من الظلم يشبه ما أصاب شاعر العرب العظيم.
وأقسم بالله إني لأتحين الفرص لرؤية حسمي العالية الأطراف والتي قيل إن لا مثيل لها في الدنيا، هذه الجبال الممتدة على خليج العقبة الملساء الجوانب، والتي إذا أراد الناظر أن يمتع نفسه بالنظر إليها وإلى قنة منها، رفع بأبصاره إلى السماء.
إنها أوحت لأبي الطيب بالكثير من شعره عن نفسه، وأعذب الشعر ما تحدث به الشاعر عن أحاسيسه، والمتنبي إعصار هائل من أين أتيت إليه، فهو عظيم في حجمه وجبروته، ولكن هذا الإعصار وسط الأدب العربي، بلغ القمة وجاوز حدود العظمة حينما سجل بشعره آلامه وأحزانه وفرحه وغبطته ويوم انتصاره.
وطابت حسمي لأبي الطيب فنزلها وأقام بها شهراً. أليست مواطن الأفذاذ من قبائل العرب، التي لم تعرف الخنوع ولا الخضوع، والتي على رغم قربها لملك كافور لم تسمح لنفسها أن تقبل ظلمه وجبروته وطغيانه.
جاء في كتاب الهمداني أن أرم وحسمي والبياض هي مساكن من تشاءم من للعرب الأقحاح، وقد سكنت لخم المنازل بين الرملة ومصر (الجفار) وطرق جبال الشراة، أما جذام فكانت تسكن ما بين مدين وتبوك وامتدت أذرح أو أذرع، واحتلت عاملة جبلها المعروف باسمها، من بحيرة طبرية إلى البحر.
وبقيت جبال حسمى بين فزازة وجذام. ولما نزلها أبو الطيب وارتاحت نفسه إليها، لم تتركه دسائس كافور، وهو الذي عمل حسابا له، فتحاشى أقرب الطرق إلى حسمى خوفا من كمين قد يرصده له في طريق نزوله من رأس النقب إلى عقبة إيليا، واضطر أن يسلك طريق الشام أولا ثم ينكفئ من تربان إلى غرندل ثم جنوبا إلى منازل جبال حسمى.


سرقة سيف المتنبي
أقول إن صاحب مصر أبى إلا أن ينغص عيش أبي الطيب وأن يتتبعه إلى الأطراف البعيدة، فكتب إلى رؤساء العرب ووعدهم وواعدهم، وبعد مضي شهر ظهر لأبي الطيب فسادنية عبيده وجاءت الحادثة مع وردان بين ربيعة من قبيلة طيء، وهو الذي سمع بأن لأبي الطيب سيفا مذهبا، فأخذ يلح في أن يريه إياه، وأبو الطيب يحاول التخلص منه، لأنه سيف يعتز به ويحرص عليه، فجعل الطائي يحتال على العبيد الذين في خدمة أبي الطيب ويحرضهم عليه طمعا في الحصول على السيف.
وهنا اكتشف أبو الطيب أن أبا المسك صاحب مصر قد كاتب العرب الذين حوله، ولم يبق هناك مفر من الرحيل، فأرسل من يثق به إلى بني فزاره وبني مازن، وإلى شيخ من ولد هرم بن قطية. ولما أتاه الخبر بقبوله النزول لديه شد ليلا على الإبل وجنب الخيل، وسار تحت كنف الليل على طريقته لما غادر الفسطاط والقوم لا يعلمون برحيله، وكان يقصد تضليلهم إذا حاولوا القبض عليه، كما ضلل من قبل جماعة كافور. ويظهر من تصرفاته أنه كان على علم وإلمام بطرق البادية، مسالك البلاد وأسرارها، بدليل أنه اتخذ السير في طريق البياض وسار فيه ليلا حتى رأس الصوان، وهذا الدرب خطير يحتاج فيه الراحل إلى الخفارة لتعذر الأمان فيه، وهو الطريق الذي يسلكه من يرحل من تيماء ووجهته الكوفة، فيمر يسرة فيما يلي البياض ثم يخترق ديار ذبيان، فمنازل كلب في صحراء السماوة ثم الدهناء، فإذا مر منها واجهه نخل الفرات. وما وصل أبو الطيب إلى رأس الصوان حتى انكفأ عائداً إلى الشمال مرة أخرى، محترسا من أن يقع على كمين إذا سار في الطريق الأول.
وفي صفحة 495 من الديوان (وسار أبو الطيب حتى نظر آثار الخيل ولم يجد مع فليتة خبرا من العرب التي طلبها، فقال له اخرق أو أحرف بنا على بركة الله إلى دومة الجندل؛ وذلك لأنه أشفق أن تكون عليه عيون بحسمى قد علمت أنه يريد البياض، فصار حتى انحدار إلى الكفاف فورد البويرة بعد ثلاث ليال.
ذكر ياقوت أن البويرة موضع بين وادي القرى وبين بسيطة الواقعة في طريق الكوفة
ومن ذلك يتضح أن أبا الطيب أقر في نفسه طريق السفر فجعل: أولا وجهته دومة الجندل
ثانيا تحاشى العودة إلى جبال حسمى.
فكأن انحداره للبياض كان تمويها لأنه اتخذ كعادته طريقا آخر هو طريق الكفاف ثم البويرة.
والخرائط لا تسعف هنا لأن المناطق الواقعة في أراضي المملكة السعودية لم تمسح بعد المساحة التفصيلية، فأبدأ بالكلام على هذه المواقع جاعلا أول الكلام على دومة الجندل ثم بقية الأماكن إلى الكوفة.
إذا فتحت الخرائط وجدت منطقة الجوف تتوسط الصحراء، وهي التي قال عنها صاحب جزيرة العرب كانت تسمى قديما دومة الجندل والجوف هي البلدة الرئيسية تقع وسط منطقة زراعية كبيرة على رأس وادي السرحان والواحة واقعة في منخفض نحو 500 قدم تحت سطح الصحراء المحيطة بها.


أرض التحكيم
وفي هذا المنخفض واحات صغيرة مثل سكاكة وقارة والطوير وجاوة، وسكاكة هي أكبرها وتكثر فيها مزارع النخيل.
ولأهمية موقعها طلب مندوب المملكة الأردنية في مؤتمر الكويت أن تكون حدود نجد كما كانت عام 1919 أي طلب إخلاء الجوف وسكاكة ووداي السرحان من قوات المملكة السعودية فطلب مندوب نجد استفتاء أهالي الجوف ففشل المؤتمر.
وقد برز اسم دومة الجندل في تاريخ الإمام علي كرم الله وجهه ومعاوية، فقد ذكر المسعودي (وفي سنة 38 كان التقاء الحكمين بدومة الجندل، وقيل بغيرها على ما قدمناه وصف التنازع في ذلك) وذكر اسم كتاب له في تفاصيل النزاع ضاع ضمن ما ضاع من مؤلفاته.
ويقول الأستاذ الخضري في تاريخ الأمم الإسلامية:
(فتوافوا (أي الحكمين ومن معهما) بدومة الجندل بأذرح فيكون قد أقر بأن الاجتماع في دومة الجندل التي هي بأرض الشراة. وقد نقل هذا عن ابن خلدون الذي قال: وبعث معاوية عمرو بين العاص في أربعمائة من أهل الشام والتقوا بأذرح من دومة الجندل) صفحة 441
(وكتب الكتاب لثلاث عشرة خلت من صفر سنة 37 واتفقوا على أن يوافي على موضع الحكمين بدومة الجندل وبأذرع في شهر رمضان) 440
وجاء ذكر دومة الجندل في صفحة 216 (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى من السنة الخامسة لستة أشهر من فتح بني قريظة، وذلك إثر رجوعه من دومة الجندل فسلك على طريق الشام أولا ثم أخذ ذات اليسار إلى صخيرات اليمام).
ولذلك اختلف الناس في تحقيق موضع اجتماع الحكمين هل هو في دومة الجندل بالصحراء أم في دومة الجندل بأراضي المملكة الأردنية؟ أي في بلدة أذرح الواقعة في نطاق دومة الجندل التي كان يطلق عليها الصخرية.
إنني أميل إلى الرأي الأخير وإن كنت أدعو أحد المهتمين بتحقيق الدراسات الإسلامية أن يضع بحثا عنها.
وقد جاء في كتاب تاريخ الإسلام السياسي ما يأتي (اجتمع عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري بدومة الجندل وهي بضم الدال وفتحه وتبعد عن دمشق بست مراحل وتقع على الطريق بين دمشق إلى المدينة).
وكان عقد التحكيم مدته من رمضان إلى رمضان وكتب في يوم الأربعاء 13 صفر سنة 37 وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجند المواثيق واتفقا على تأجيل القضاء إلى رمضان وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على أن يوافي علي ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في رمضان، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا في بلدة أذرح المبينة على الخريطة شمال غرندل وتربان.
وبعث علي للميعاد بأربعمائة رجل ولم يحضر علي، وبعث معاوية بأربعمائة رجل ثم جاء معاوية واجتمعوا في أذرح والتقى الحكمان.
كل هذا يقتضي بأن الاختيار وقع أولا على دومة الجندل التي الجوف لتوسطها بين الطرفين ولكي يحضر المتخاصمان أمام الحكمين؛ ولكن معاوية الحريص على ملكه وحياته اختار الشق الثاني وجعل بلدة أذرع المكان المختار وقد يكون احتج بأنها قائمة بأرض دومة الجندل لأن هذه المنطقة كانت تسمى بأرض أدوم أو دومة من القدم... فقد جاء في قاموس الكتاب المقدس ص 451 أن دومة التي بها أذرح محرفة عن أدوم، وأنها البلاد التي يسكنها نسل دومة هو أدوم بن إسماعيل أو سادس أولاده (نك 25: 14) وأنهم سكنوا في صحراء سورا على بعد 150 أو 200 ميل من دمشق حيث توجد قطعة أرض تعرف باسم دومة الحجرية أو دومة السورية.
وفي كتاب الإمامة والسياسة ج 1 صفحة 136 ما يشير إلى كتاب بين علي ومعاوية اتفقا فيه على أن يرجع أهل العراق إلى العراق وأهل الشام إلى الشام ويكون الاجتماع إلى دومة الجندل (وأظن أنهما يقصدان دومة الجندل بالجوف) فإن رضيا أن يجتمعا بغيرها فلهما ذلك... ثم ذكر في صفحة 138 أن أبا موسى وعمر لما اجتمعا بدومة الجندل كان عقد التحكيم هدنة من رمضان إلى رمضان.


الأدميون وتيماء
وإذا رجعنا إلى اسم أدوم وجدنا أن معناه في قاموس الكتاب المقدس أحمر، وهو لقب عيسو بن أسحق أخذ بلون العدس يوم باع بكوريته إلى أخيه يعقوب وأخذ الأرض الواقعة جنوبي (حبرون) مدينة الخليل إلى جنوب البحر الميت ثم تخوم أرض موآب ثم اتسعت البقعة فشملت الأراضي الواقعة بين برية (سين) وغربيها إلى بلاد العرب الواقعة شرقيها أي شملت منطقة أذرح وما حولها. التي اشتهرت بجودة هوائها، وخصب أراضيها ومناعة حصونها. أما تسميتها بأدوم فأخذا من عيسو الملقب بأدوم (نك 43: 36) والمظنون أن نسله استوطن هناك فأصبح هذا القسم من جنوبي البحر الميت يشمل كل تخوم كنعان الجنوبية من البحر الميت إلى الخليج الشرقي للبحر الأحمر ومن ضمنها جبل سعير وكانت سالع عاصمة القسم الجنوبي وفيها استوطن تيمان بن عيسو (نك 11: 36) فتسمى الجزء الجنوبي تيماء باسمه وكان للأدوميين ملوك يحكمون باسمهم.
ولما جاء حكم الروم أنشؤوا في تخوم العقبة باباً كبيرا ووضعوا عليه شحنة لجبي الضرائب على القوافل القادمة من الجنوب. . . وفي الاصطخرى وابن حوقل تمتد جبال أدوم من الشراة إلى أيلة أي العقبة كما جاء في كتاب فلسطين تحت حكم المسلمين لمؤلفه جوى لوسترانج أن أدوم في مادة الشراة.
أما تحقيق أدوم أو دومة الجندل لدى العرب فقد جاء في صفحة 106 جزء 4 من معجم ياقوت كما يأتي: بضم أوله أو فتحه.
ابن دريد: أنكر الفتح وعده من أغلاط المحدثين
حديث الواقدي: جاء فيه دوما الجندل
ابن الفقيه: عدها من أعمال المدينة: وقال سميت بدون بن إسماعيل بن إبراهيم
الزجاجي: دومان بن إسماعيل وقيل دوما
ابن الكلبي: دوماء بن إسماعيل، ولما كثر ولد إسماعيل بتهامة خرج دوماء حتى نزل دومة وبنى به حصنا فقيل ودماء ونسب الحصن إليه وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. . . وقال أبو سعيد: دومة الجندل في غائط في الأرض خمسة فراسخ وفيها عين يسقى ما به من النخل والزرع وحصنها مارد، وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبني بالجندل) ولا يبعد أو وصفه ينطبق على دومة الجندل بالجوف والحصن على ما بناه الأكيد وهو من فتح خالد بن الوليد. ثم يؤكد أبو عبيد الكوفي أن دومة الجندل قرب جبلي طي ويقصد بذلك واحة الجوف لأنه ذكر بلدة دومة وسكاكة وذو القارة أما دومة ففيها سور يتحصن به وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد وهو حصن أكيدر.
ونعود إلى أرض أدوم أو دومة الجندل الصخرية فنقول إن هذه البقعة كانت عامرة في العصور السابقة وفي عهد الروم أنشئت بها كما قلنا أسقفية في (غرندل) تحريف (أرندل) التي بقيت على الطريق الروماني من العقبة إلى بصرى، وكان يمر بأرض الشوبك وعليه حصن الكرك المشهور في الحروب الصليبية، وكان عامرة في عهودها الإسلامية بدليل سكنى الخلائف من قرش وبني هاشم، وأن الدعوة العباسية قامت من بلدة الحميمة حين مات بها إبراهيم الإمام.
وبعد هذا التحقيق والبحث كنت أقلب الجزء الأول من العقد الفريد تحقيق العلامة الدكتور أحمد أمين فوقع نظري في الصفحة 264 سطر 13
(وأوصل أبو دلامة إلى العباس بن المنصور رقعة فيها هذه الأبيات
قف بالديار وأي الدهر لم تقف ... على مناظر بين الظهر والنجف
فإذا الحاشية (4) تقول
(النجف بالتحريك موضع بظهر الكوفة، وهو دومة الجندل بعينها، وبالقرب منها قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) ولا شك في أن واضع الحاشية كغيره من الأدباء أغفل تحقيق الأماكن الجغرافية لعدم أهميتها، والحقيقة أن بالكوفة مكانا يدعى (دومة) والنجف محلة منها ويقال إنها سميت بذلك لأن عمر بن الخطاب لما أجلى الأكيدر صاحب دومة الجندل المشهورة في الجوف قدم الحيرة ثم بنى بها منزلا سماه دومة على اسم حصنه الذي نزع منه (راجع كتاب تاريخ الكوفة تأليف المؤرخ السيد حسين بن السيد أحمد البراقي طبع النجف صفحة 148 سطر 2
ولا يصح أن يفهم القارئ خطأ بأن موضع دومة الجندل التي مر ذكرها واختلاف الرواة بشأن الحكمين كان موضعا بالقرب من النجف حيث يرقد الإمام علي رضي الله عنه، وبين النجف ودومة الجندل بالجوف مئات الأميال وبين أرض أدوم وبالشراة مئات أخرى.

*المدير العام لمصلحة الاقتصاد الدولي المصري

*عن مجلة "الرسالة"، العدد 985، 12/ 11/ 1951
المصدر /

عالم #سعودي يحدد للمرة الأولى طريق هروب #المتنبي من #مصر إلى #العراق

بدر الخريف
نجح الدكتور عبد العزيز بن ناصر المانع أحد علماء اللغة والأدب بالسعودية في تحقيق إنجاز علمي لافت بوضع خريطة دقيقة لهروب شاعر العربية الأكبر «أبي الطيب المتنبي»، من الفسطاط بمصر إلى الكوفة بالعراق، بعد رحلات علمية ميدانية ومكتبية في أربع دول 
هي: مصر، والسعودية، والأردن، والعراق، استغرقت سنوات ثمان، درس فيها طريق هروب الشاعر، متتبعاً مساره ميدانياً. ويعتبر هذا الإنجاز العلمي الأدق في تحديد قصة وطريق الهروب السياسي لأشهر شاعر في التاريخ الأدبي العربي. وقد استطاع د. المانع تحديد خط سير المتنبي في خرائط الدول الأربع التي مر بها المتنبي حسب ما ورد في أشعاره وأخباره بالاستعانة بالخرائط والإحداثيات المتخصصة سواء في بلاده أو في الدول الثلاث الأخرى التي مر بأراضيها الشاعر في رحلة هروبه من الفسطاط في زمن كافور الإخشيدي إلى مسقط رأسه الكوفة. واستغرقت الرحلة نحو أربعة أشهر بدأها في التاسع عشر من شهر يناير (كانون الثاني) من 962م وانتهت في الثالث من مايو (أيار) من العام ذاته، بعد إقامة بمصر لمدة خمس سنوات مدح فيها، كما هو معروف، «كافور الإخشيدي»، حاكم مصر آنذاك بقصائد عدة وفي نفس الشاعر مطامع بالحصول على إمارة أو ضيعة، لم يلبها الحاكم الممدوح. واستطاع الشاعر الهروب رغم المراقبة الشديدة والدقيقة عليه من قبل «الملك» الأستاذ كما كان يلقبه الشاعر، حيث سلط كافور على المتنبي عيوناً تراقبه طوال اليوم تجنباً لمثل هذا الهروب، ومن ثم الخوف من قيام الشاعر بهجائه إن لم يحقق مطالبه، وهو ما حدث بالفعل.

لم يكن توثيق الدكتور المانع لطريق هروب الشاعر وتتبعه ميدانياً ورسم خارطة دقيقة للطريق الذي سلكه هو موضوع منجزه الكبير فقط، رغم أهميته وأسبقيته، فقد أرفقه بدراسة مهمة هذا الشاعر الذي وصفه المؤلف بالعظيم ورمز العبقرية الشعرية المتفردة في مكانته.

واستشهد المانع في سياق الحديث عن مكانته الشعرية بأبي العلاء المعري، شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء بالإشارة إلى أن أبا العلاء إذا أراد أن يستشهد بشعر أحد الشعراء قال: قال أبو نواس، أو قال أبو تمام، أو قال البحتري، أما إذا أراد أن يستشهد بشعر المتنبي فإنه يكتفي بأن يقول: قال الشاعر!، فهو عنده «الشاعر» أما غيره فهم - عنده بلا ريب - دونه مكانة ومنزلة، وعندما كان أبو العلاء ينشد بيت المتنبي المشهور: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي.. وأسمعت كلماتي من به صمم.

يقول: سبحان الله! كأنه ينظر إلي بظهر الغيب.

وضمّن المانع منجزه اللافت بتقديم قراءة في المحاولات والأعمال السابقة حول قصة هروب أبي الطيب المتنبي التي تناولها من سبقه في ذلك، طارحاً نقداً موضوعياً لهذه الأعمال والمحاولات في تحديد أعلام الطريق مثنياً على جديتها والجهود التي بذلت في سبيل تحقيق الهدف منها مبرزاً الجوانب الإيجابية في هذه الأعمال والأمور غير الدقيقة فيها وتصحيح الأخطاء، محللاً الأمور الظنية والاعتقادية المطروحة في تحديد الطريق الذي سلكه المتنبي في رحلة الهروب من مصر إلى العراق وبالتحديد من الفسطاط إلى الكوفة.

وُلِد البروفسور عبد العزيز بن ناصر المانع في محافظة شقراء السعودية سنة 1943م، وحصل على البكالوريوس من كلية اللغة العربية بالرياض سنة 1966م، وعلى الدكتوراه من جامعة إكستر بالمملكة المتحدة 1976م، في تخصّص تحقيق المخطوطات. وانخرط - منذ ذلك الوقت - في السلك الأكاديمي، فعمل مدرِّساً في قسم اللغة العربية في جامعة أم القرى، ثم انتقل إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود منذ سنة 1977م أستاذاً غير متفرغ للأدب العربي القديم في ذلك القسم.

تولَّى البروفسور المانع - إلى جانب عمله في التدريس والبحث العلمي - عدداً من المناصب الأكاديمية والإدارية فكان مديراً لمركز البحوث في كلية الآداب، ورئيساً لقسم اللغة العربية فيها لسنتين، وممثلاً لها في مجلس كلية الدراسات العليا لأربع سنوات، ورئيساً لتحرير مجلّتها لأربع سنوات أخرى، كما عمل مديراً للمكتب التعليمي السعودي بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة لسنتين. ودُعي خلال سنتي 2006م و2007م، أستاذاً زائراً للدراسات العليا في مادّة «تحقيق المخطوطات» بجامعة سوسة في تونس.

وللبروفسور المانع الرياض، إضافة إلى المجلة الأردنية في اللغة العربية وآدابها التي تصدرها جامعة مؤتة بالأردن. نشاط كبير في الحياة الثقافية في بلاده، فهو عضو في مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي، وعضو الجمعية العربية السعودية للغة العربية، واللجنة العلمية بمركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي بالرياض، كما أنه عضو في هيئة تحرير مجلة العرب التي تصدر في الرياض وفي الهيئات الاستشارية لكل من مجلة عالم الكتب ومجلة عالم المخطوطات والنوادر ومجلة الدرعية. وبالإضافة لذلك، له إنتاج علمي غزير في مجال تخصصه فقد حقَّق أكثر من خمسة عشر من المؤلفات التراثية ونشر الكثير من البحوث والمقالات في المجلات العلمية المحلية والدولية إلى جانب مشاركته في كثير من المؤتمرات والندوات في المملكة العربية السعودية وأستراليا وبريطانيا والهند وإيطاليا وتونس ومصر والأردن. وما زال يشارك - على مدى عدة عقود - في الندوات الأسبوعية لقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود.

ونتيجة لهذه الإنجازات، نال المانع جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب عام 2009، تقديراً «لجهوده المتميِّزة في مجال تحقيق نصوص من التراث في الفترة المحدَّدة لموضوع الجائزة؛ إذ برهن على إلمام واسع بمصادر مختلفة ومتنوِّعة أحسن توظيفها في تحقيق عدد من المؤلفات التراثيَّة المهمَّة وضبطها وإجلاء غوامضها، وفقاً للمناهج العلميَّة الدقيقة في مجال صنعة التحقيق، ممَّا يسَّر للقرَّاء المعاصرين معرفة جَانب من التراث الأدبي العربي وأتاح نصوصّاً أساسيَّة منه للباحثين المختصّين وللمكتبة العربيَّة».

وقرَّرت جامعة الملك سعود الاحتفاء بالبروفسور المانع - بعد نيله جائزة الملك فيصل - بتخصيص كرسي بحثٍ باسمه ومنحه الميدالية الذهبية للجامعة وجائزة مالية.
المصدر/
عالم سعودي يحدد للمرة الأولى طريق هروب المتنبي من مصر إلى العراق 

المتنبي وشعره بلغة موليير


الكتاب يتناول سيرة وأعمال المتنبي من جهة علاقته بالسيف والمعارك (الجزيرةنت)

أنطوان جوكي-باريس
عن دار نشر "أكت سود" الباريسية وضمن سلسلة "سندباد"، تمنح الأنطولوجيا الصادرة حديثا عملاق الشعر العربي الكلاسيكي أبا الطيّب المتنبّي كل قيمته باللغة الفرنسية، متضمنة مقتطفات من شعره وسيرته الأدبية، لتكون الأكثر أمانةً لشعر المتنبي، شكلاً ومضموناً، مقارنةً بالترجمات السابقة التي حظي بها هذا الشاعر.
ولعل اختيار باتريك مغربني وهوا هوي فوونغ -اللذين وضعا وترجما الكتاب- عنوان "كتاب السيوف" لهذه الأنطولوجيا ليس اعتباطياً، فالسيف -كما يشيران إليه في المقدمة- يطبع حياة المتنبي من بدايتها وحتى نهايتها. سيفٌ شهره الشاعر منذ خروجه من سن المراهقة للتعارك مع الحُكم القائم آنذاك في بغداد، ثم مع الجيوش البيزنطية إلى جانب صديقه الكبير وحاميه الأمير سيف الدولة، قبل أن يعيده إلى غمده في سن السادسة والأربعين أثناء وضع نفسه في خدمة كافور الإخشيدي بمصر، ليشحذ لاحقا سيف هجائه ضد هذا الأخير، ويعود فيستلّه لمقاتلة مهاجمي قافلته عام ٩٦٥ فيموت والسيف في يده.
لكن هذا السلاح، الذي تسلّط على حياة المتنبّي وشعره، هو قبل أي شيء داخلي، في نظر مغربني وفوونغ. إذ لا تشكّل نقاوة النصل وصلابته ومهارة استخدامه في المعركة سوى الآثار المادية لقيَم روحية، فالشجاعة والإقدام في المعركة هما مسألتان أوّليتان لدى الشاعر.
والمقصود بكلمة "معركة" هو الهجمات المتواصلة للظروف على الإنسان، حيث يتجاوز السيف مع المتنبّي وظيفته كسلاحٍ حربي ليصبح صورةً ملموسة للنفْس البطولية، فيقول في معرض مدح صديقه الأمير "إنما هيبة المؤمَّل سيف الـ / دولة الملكِ في القلوب حسامُ"، كما يقول في قصيدةٍ أخرى حول الأمير نفسه "يُسْمى الحُسامَ وليست من مشابهةٍ \ وكيف يشتبه المخدومُ والخَدَمُ".
لا مبالغة في تصريح المتنبي بتفوّقه داخل قصائده، فالتقليد الشعري العربي كرّس تدريجياً كامل أعماله الشعرية، كما لم يفلت أي شاعرٍ عربي بعده من تأثيره
سلاح مجازي
علاوة على ذلك، تُشكّل القصيدة المنجَزة السلاح الأقوى وليس مجرّد سلاح مجازي يحلّ بخجلٍ مكان وهج السلاح الحقيقي في أرض المعركة. فالأبيات المشحوذة على يد شاعرٍ ماهر هي أمضى من أي سيف وتُسجّل أكثر الانتصارات سطوعاً. وبالنسبة للمتنبّي، ثمّة شاعرٌ واحد قادرٌ على تحقيق مثل هذا الإنجاز، وبالتالي يستحق كل المديح هو المتنبي نفسه. فحتى حين يقوم بمدح أحد الحُكّام الأقوياء، يُسمعنا صوته الفريد تفوّقه في كل بيتٍ شعري.
ولا مبالغة في تصريح المتنبّي، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، بتفوّقه داخل قصائده. فالتقليد الشعري العربي كرّس تدريجياً كامل أعماله الشعرية، كما لم يفلت أي شاعرٍ عربي بعده من تأثيره. وخلال أكثر من عشرة قرون، تم تدريس ديوانه ومناقشته وتقليده بحماسٍ لا يقارن، وذلك من المغرب وحتى الهند. أما نبوغه فيكمن، وفقاً لمغربني وفوونغ، في تكريس شعره الكلاسيكية الشعرية العربية، وفي الوقت ذاته في رفضه بقوة الوضع المتحجّر للعمل الشعري الكلاسيكي.
وفعلاً، لا نعثر إطلاقاً في قصائد المتنبّي على إطراءٍ أكاديمي باهت أو على مديحٍ متلفٍّف في طيّات رسمية. فبفضل سخرية غير ملموسة تُعلّق المعنى، عبر لَيٍّ ممارس على الكلمة المتوقّعة، يتلاعب الشاعر بالصور الكلاسيكية التقليدية ولكن أيضاً بموضوعات القصيدة العربية بهدف إظهار علاقته بالعالم وبالحكّام الذين يحتفي بهم.
وعلى عملية الإظهار هذه، نجده يضيف عناصر ملحمية وسردية، كحِكم وإيعازات أخلاقية موجّهة إلى نُصراء الشعر، ومواقف محسومة من الحالة السياسية، وشتائم موجّهة إلى الخصوم، وسردٍ لمعارك أو لرحلاتٍ قام بها. وبذلك يرسم بديوانه على خلفية مدائحه شكلاً ملحمياً فريداً تتجلّى فيه مآثره وأبرز مراحل سيرته الذاتية.
قيمة الكتاب تكمن خصوصاً في الطريقة المتّبعة لنقل القصائد المختارة إلى الفرنسية. فلأن هذه الأخيرة تخضع لنظام عَروضي دقيق، لجأ المترجمان إلى معادلٍ عَروضي له باللغة الفرنسية
ترجمة إبداعية
ولا يتوقف تقديم مغربني وفوونغ للمتنبّي عند هذا الحد، بل يشمل لمحة سريعة عن حياته ووقفة عند خصوصيات النسيب والرحيل والمديح في قصيدته. لكن قيمة عملهما تكمن خصوصاً في الطريقة المتّبعة لنقل القصائد المختارة إلى الفرنسية. فلأن هذه الأخيرة تخضع لنظام عَروضي دقيق، لجأ المترجمان إلى معادلٍ عَروضي له باللغة الفرنسية.
وفي هذا السياق، استخدما البحر الإسكندري الكلاسيكي أو البيت المؤلّف من أربعة عشر مقطعا لترجمة القصائد الكبرى، كما استخدما البيت المؤلّف من أحد عشر مقطعا أو تسعة مقاطع في القصائد التي لجأ المتنبّي فيها إلى بحورٍ أقصر.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى القافية التي حاول المترجمان المحافظة عليها ولكن ليس بأي ثمن، كما سعيا إلى نقل النشوة الإيقاعية التي ترتكز في قصائد المتنبّي على استخدام مكثّف للسجع والتجنيس، بدون إهمال الجهد الشكلي المذهل في هذه القصائد الذي يوقظ لدى المستمع إليها شعوراً بالإثارة والحماس يستنهض إرادته وينتزعه من ثقل العالم.
المصدر : الجزيرة
المتنبي وشعره بلغة موليير - الجزيرة.نت